Logo
طباعة
هل تصبح طالبان ضحية للتنافس في جنوب آسيا؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هل تصبح طالبان ضحية للتنافس في جنوب آسيا؟

(مترجم)

 

 

الخبر:

 

خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها أمير خان متقي، القائم بأعمال وزير الخارجية الأفغاني، إلى الصين، التقى وزيري خارجية الصين وباكستان. وأعلنت الصين أن كلاً من أفغانستان وباكستان أعربتا عن رغبتهما في تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع بكين.

 

التعليق:

 

 للوهلة الأولى، قد يبدو هذا الخبر حدثاً دبلوماسياً إيجابياً لطالبان؛ إلا أنه في جوهره جزء من لعبة جيوسياسية إقليمية أوسع نطاقاً - لعبة تتصدرها الصين والهند والولايات المتحدة وباكستان - وستتحول أفغانستان، التي تفتقر إلى الوعي الاستراتيجي، إلى أداةٍ في قلب هذه المنافسة.

 

تسعى الصين إلى تحقيق أهدافٍ محددة في أفغانستان: احتواء مجاهدي الأويغور، الذين يُشكل وجودهم في أفغانستان تهديداً للأمن الداخلي الصيني؛ ومنع انعدام الأمن في مشاريعها الاقتصادية في باكستان بسبب طالبان الباكستانية؛ ومواجهة النفوذ الهندي المتزايد في أفغانستان. من وجهة نظر الصين، لا يمكن لطالبان أن تكون شريكاً مقبولاً إلا إذا تمكنت من السيطرة على جماعاتٍ مثل حركة طالبان باكستان وحركة تركستان الشرقية الإسلامية، ومنع نفوذ الهند في أفغانستان، والتخلي عن الفكر الإسلامي العالمي والالتزام بالدولة القومية. في هذه الحالة، تستعد الصين لربط فرعٍ من الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني بأفغانستان. يبدو أن طالبان، التي ترضى حتى بأدنى مكسب سياسي واقتصادي، قد وافقت على هذه الشروط وتعتبرها فرصة لتعزيز مكانتها الدولية.

 

وعلى الجانب الآخر من هذه اللعبة تقف الهند، الدولة التي أصبحت الركيزة الأساسية للسياسة الأمريكية في جنوب آسيا. تسعى أمريكا إلى تحويل الهند إلى "إسرائيل جنوب آسيا"، أي قوة رئيسية تلعب دوراً أساسياً في جنوب آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ ضد الصين. ولهذا السبب تعزز واشنطن موقف الهند، وتحاول لعب دور أكثر نشاطاً في أفغانستان، ومراقبة طالبان عن كثب، ومن خلالها، اختراق الجماعات المعارضة لباكستان والصين. ويمكن تفسير الزيارة الأخيرة لأنيند براكاش، نائب وزير الخارجية الهندي، إلى كابول والمكالمة الهاتفية بين سوبرامانيام جايشانكار وأمير خان متقي في هذا السياق. تريد نيودلهي استئناف مشاريعها الاقتصادية السابقة وفي الوقت نفسه إقامة علاقات سياسية ذات مغزى مع طالبان. ويتمثل خوف الهند الرئيسي في تحول طالبان إلى قوة إقليمية ونمو الإسلام السياسي العابر للحدود الوطنية. لذلك، تسعى واشنطن إلى مواءمة طالبان مع نظام الدولة القومية من خلال تقديم تنازلات لها.

 

أما باكستان، في خضم هذا الوضع، فهي في وضع هش، كخادم يتجاهله سيده. تشعر إسلام آباد بقلق بالغ بشأن أمنها من أفغانستان، لا سيما بسبب وجود حركة طالبان الباكستانية. في الوقت نفسه، تشعر بالقلق إزاء نفوذ الهند المتزايد في كابول وتوسيع علاقات نيودلهي مع طالبان. حالياً، تُعدّ حكومة مودي الهندوسية هي المفضلة لدى واشنطن. وعلى الرغم من استيائها، خضعت باكستان لهذه السياسة الأمريكية لكنها تحاول استخدام طالبان كأداة لضمان سلامتها وربط أفغانستان بالدولة القومية.

 

بعد انسحابها من أفغانستان، تحاول الولايات المتحدة الآن احتواء الصين من خلال تقوية الهند. ولا تريد أن تقترب الصين من طالبان وتسيطر على الموارد المعدنية غير المستغلة في أفغانستان. علاوة على ذلك، تسعى إلى إبقاء باكستان متورطة على حدودها مع أفغانستان بحيث يتحول تركيزها الأمني ​​عن الهند، ما يسمح للهند بالتنفس بسهولة أكبر في منافستها مع الصين. منذ بدء المفاوضات مع طالبان وحتى اليوم، حاولت أمريكا دمج الحكومة الأفغانية في النظام الدولي وإبقائها ملتزمة بالدولة القومية، وجعل طالبان نفسها تقمع وتسيطر على الإمكانات الإسلامية العالمية.

 

في هذه الأثناء، ترحب طالبان، بنهجها البراغماتي، بأي علاقة أو تنازل سياسي أو اقتصادي، دون فهم معايير الشريعة الإسلامية أو عواقبها. وقد دفع هذا الاضطراب السياسي وغياب الوعي الاستراتيجي طالبان إلى تجاهل جرائم الصين ضد مسلمي الأويغور وسياسات الهند القمعية في كشمير. حتى إن العديد من أعضاء طالبان أنفسهم لا يدركون أن هذه الدول، من منظور فقهي، تُصنف ضمن دار الحرب، ولكن بناءً على سياسات قومية واقتصادية، تُقدم بوصفها دولاً صديقة استراتيجية!

تحاول طالبان الحفاظ على سياسة متوازنة ومتمحورة حول الاقتصاد، قائمة على المصالح الوطنية، لتحقيق التوازن بين الصين والهند والغرب؛ إلا أنها عملياً تميل أكثر نحو الغرب، وخاصة أمريكا. هذه السياسة لا تنبع من وجهة نظر إسلامية، بل من نقص في الوعي السياسي. فبدل اتخاذ موقف مبدئي قائم على الشريعة الإسلامية تجاه القوى الكبرى، فإنها تنجذب نحو أي طرف يقدم لها أكبر قدر من التنازلات. وفي النهاية، يعكس هذا الوضع أزمةً سياسيةً أعمق في البلاد الإسلامية. وقد أثبتت التجربة أنه ما دامت طالبان والجماعات المماثلة تسعى للحصول على تنازلات سياسية من القوى المعادية للإسلام، فلن يتغير وضع البلاد الإسلامية. إن مخرج ساحة صراع الشرق والغرب لا يكمن في الاعتماد على الصين أو أمريكا، بل في إقامة الخلافة الراشدة الثانية، بفهمها العميق للواقع السياسي والاقتصادي، تُخرج الأمة من كونها مجرد جنودٍ في المشاريع الاستعمارية، وتعيدها إلى مكانتها المستقلة والقوية. وبدون هذا النهج، ستبقى أفغانستان وسائر البلاد الإسلامية ساحات صراعٍ للقوى الكبرى.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

يوسف أرسلان

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية أفغانستان

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.