Logo
طباعة
هل مِن عقلاء في حزب إيران يبادرون إلى تصحيح المسار؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

هل مِن عقلاء في حزب إيران يبادرون إلى تصحيح المسار؟

 

 

الخبر:

 

عقد مجلس الوزراء اللبناني الخميس 2025/8/7 جلسة خصّصها لمناقشة بند حصر السلاح بيد الدولة. وعقدت الحكومة اللبنانية هذه الجلسة لاستكمال البحث في نزع سلاح حزب إيران، بعدما كلّفت الجيش بإعداد خطّة لذلك قبل نهاية العام، على وقع ضغوط أمريكية تتعرّض لها السلطات، في خطوة لقيت رفضا مطلقا من الحزب.

 

وخُصّص الاجتماع لبحث مضمون مذكّرة حملها المبعوث الأمريكي توم برّاك، تتضمّن جدولا زمنيا لنزع سلاح الحزب الذي كان قبل المواجهة الأخيرة مع كيان يهود، القوّة السياسية والعسكرية الأكثر نفوذا في لبنان. وقد انسحب الوزراء الذين يمثّلون الحزب وحركة أمل التابعة لرئيس مجلس النواب نبيه بري من جلسة مجلس الوزراء هذه، معلنين أنّ الأولوية هي للمطالبة بدعم الجيش اللبناني ووقف الاعتداءات وتحرير الأسرى وانسحاب قوّات الاحتلال من النقاط الخمس التي ما زالت تحتلّها في جنوب لبنان.

 

التعليق:

 

على الرغم من أنّ حزب إيران يعزو موقفه برفض تخلّيه عن سلاحه إلى إصراره على الاحتفاظ بقوّة عسكرية جاهزة لمواجهة أيّ هجوم من دولة الاحتلال عليه وعلى الأراضي اللبنانية فإنّ خلفية موقفه هذا باتت شيئا آخر يدركه جميع المتابعين لشأن الحزب والشأن اللبناني عموما. فرغم أنّ حزب إيران يتعرّض منذ اتّفاق وقف إطلاق النار أواخر تشرين الثاني 2024 لاعتداءات يومية تستهدف قياديّيه وعناصره بقتلهم بالطائرات المسيّرة، حتّى بلغ عدد الذين قتلهم كيان الاحتلال طوال هذه الشهور أكثر من 230 من عناصره، رغم ذلك بقي ممتنعا عن أيّ ردّ على هذه الاعتداءات المتواصلة! وهذا دليل واضح على أنّه اتّخذ قرارا بعدم مقاومة الاحتلال ولا حتّى الردّ على اعتداءاته التي ينفذّها على طول الأراضي اللبنانية وعرضها. وقد أدرك الحزب أنّ قرار قيادته في طهران هو عدم فتح جبهة قتال حقيقية مع الكيان، فكان واضحا أنّ طهران منعته من فتح حرب حقيقية على الكيان منذ عملية طوفان الأقصى، إذ ألزمته ما عرف بقواعد الاشتباك طوال شهور، وهي القواعد التي تقضي بأن تقتصر عمليّاته على مناورات محدودة لا تعيق عمليات الكيان الإجرامية والتدميرية في قطاع غزّة، إلى أن نفّذ الكيان عمليات الاغتيال التي اجتاحت جلّ قيادات الحزب وحيّدت الآلاف من مقاتليه، ودمّرت معظم مخزونه من الصواريخ والسلاح الثقيل.

 

وعليه فإنّ الحزب بات مدركا الآن أنّ سلاحه خسر وظيفة مواجهة كيان الاحتلال. فلماذا إذاً يتمسّك بسلاحه ويمانع التخلّي عنه؟

 

الجواب بكلّ بساطة هو الخوف؛ الخوف ممّن؟ إنّه الخوف من الخصوم والأعداء الذين صنعهم الحزب منذ حوالي عقدين من الزمان، منذ أن صرف قدرا كبيرا من جهده نحو النزاعات الداخلية والإقليمية مع مكوّنات المنطقة، وعلى رأسهم السواد الأعظم من المسلمين.

 

لقد نجح الحزب إلى حدّ بعيد حتّى سنة 2005 في تجنّب العداوات مع أهل لبنان والمنطقة، إذ كان جهده منصبّا على مقاومة الاحتلال في جنوب لبنان، دون أن يُظهِر تدخّلا ذا بال بالنزاعات السياسية المتشابكة. وقد حظي باحترام معظم المكوّنات بصرف جهده في هذا العمل النبيل، ولا سيّما حين انسحبت قوات الاحتلال تحت ضرباته سنة 2000. إلّا أنّ أوّل نشاط شكّل استفزازا حادّا داخل لبنان كان سنة 2005، حين هاج معظم أهل لبنان على اختلاف توجّهاتهم وطوائفهم وانتفضوا ضدّ جبروت نظام دمشق الذي كان يحكم لبنان بالحديد والنار والتنكيل والإذلال، فحشد الحزبُ مع حليفه نبيه برّي رئيس حركة أمل عشرات الآلاف من المتظاهرين (الشيعة) في مظاهرات لنصرة نظام بشّار تحت شعار "شكرا سوريا الأسد". ثمّ توالت عمليات الاغتيال التي أطاحت بعدد كبير من رموز القوى السياسية، تَوَّجَها الحزب باجتياح مدينة بيروت والمنطقة الدرزية من جبل لبنان سنة 2008 لإخضاع خصومه السياسيين الذي تكتّلوا تحت عنوان "حركة 14 آذار" والذين كانوا يمثّلون الغالبية من القوى السياسية اللبنانية، وسقط جرّاء تلك الغزوة التي سمّاها حسن نصر الله آنذاك "يوما مجيدا في تاريخ المقاومة" عشرات القتلى في مناطق لبنانية مختلفة. وتمكّن بعد هذه الغزوة وما سبقها من موجات الاغتيالات من إحكام قبضته شيئا فشيئا على السلطة.

 

إلّا أنّ المغامرة الأكثر حماقة وفجورا في تاريخ الحزب كانت خوضه الحرب إلى جانب نظام الإجرام ضدّ أبناء الأمّة الثائرة في سوريا، فكان شريكا فعّالا في مجزرة المليون شهيد في سوريا، وفي تشريد أكثر من نصف أهلها، دفاعا عن ذلك النظام القذر، عدا تدخلّه في فتن العراق واليمن الدموية.

 

لقد شكّلت هذه المغامرات التي ورطت بها إيران حزبها في لبنان وسوريا وغيرهما معملا لصناعة الخصوم والأعداء وذوي الأحقاد من فئات شتّى، وفي مقدّمتهم أبناء الأمّة الإسلامية من أهل سوريا ولبنان الذين ذاقوا الويلات من حلف اللئام الذي انخرط فيه الحزب.

 

ولأنّ الحزب يعرف ذلك جيّدا فإنّه اليوم - وهو يُدعى إلى التخلي عن سلاحه - يشعر بالذعر من التهديدات التي تحيط به من كلّ جانب وفي كلّ مكان صنع فيه لنفسه الأعداء.

 

هل كان الحزب ليعتريه هذا الذعر لولا سياسته التي انتهجها منذ أن حوّل سلاحه عن مقاومة الاحتلال إلى مواجهة أهل المنطقة؟ هل كان ليقع في هذا المأزق لولا تجنيد نفسه لدى السياسة الإيرانية التي أشعلت بتحالفها مع أمريكا في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان الفتن الطائفية المقيتة؟ هل كان الشيعة ليوضعوا في مواجهة سائر الأمّة الإسلامية لولا تغذية ثقافة الحقد والكراهية التي رعتها إيران وأشياعها في العراق وسوريا ولبنان والتي أُلبست لبوس المذهبية؟ الجواب شاخص في الحقبة التي كان الحزب فيها بعيدا نسبيا من هذه الموبقات، وهي الحقبة التي رُفعت فيها صور حسن نصر الله وأعلام الحزب في مصر وباكستان وكثير من أقطار المسلمين تقديرا لما أنجزته المقاومة في مناجزة جيش الاحتلال.

 

ما على قادة الحزب لو أنّهم نهجوا نهج رفاق دربهم الذين نأوا بأنفسهم عن التقوقع الطائفي المذهبي وأعلنوا ولاءهم للأمّة لا للطائفية المذهبية؟ ما عليهم لو أنّهم انضمّوا إلى ثورة الأمّة في الشام بدل الاصطفاف ضدّها في حلف الأقليات؟ ما عليهم لو أنّهم نضوا عنهم أحقاد التاريخ وإصره وأغلاله وتخلّوا عن الأوهام والخرافات ليكونوا جزءا لا يتجزّأ من الأمّة التي جعلها الله تعالى الأمّة الوسط الشاهدة على الناس؟ أكانوا ليشعروا اليوم أنّهم محاطون من كلّ جانب بخصوم يتربّصون بهم الدوائر؟ أم كانوا سيجدون أنفسهم آوين إلى حصن مكين يتحصّنون به من الأعداء الحقيقيين؟

 

هذه الأسئلة برسم من تبقّت لديه بقيّة من الحكمة، وبقيّة من الولاء للأمّة لا للطائفة، وبقية ممن يرنو إلى إسلام الدليل والحجة والبرهان لا إلى أوهام التاريخ وخرافاته. فهل ممّن يستعيد البوصلة نجاةً لنفسه ولأهله مِن خلفه؟

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أحمد القصص

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.