- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لا وجود لمفهوم العرقيات الصغيرة في الإسلام
إنّ من أبرز المشاكل التي تطفو على السطح عند كل حديث عن محاولة لتغير أنظمة الحكم وتبدل الحاكمين، لا سيما عند بروز الإسلاميين كخيار مرشح لاستلام الحكم، كما حدث في مصر وتونس وأفغانستان والشام، هو مسألة العرقيات الصغيرة.
إذ تبدأ الأصوات تتعالى من الداخل والخارج مطالبة بنظام حكم يضمن حقوقهم ويمنع ظلمهم أو تجاوزهم أو تجاهلهم، وبغض النظر عن صدق مخاوف تلك الأصوات أم كذبها، مع أنها في الغالب كاذبة متربصة ولا يعنيها أمر تلك العرقيات ولا حقوق العباد، ولكنني سأتجاوز هذه النقطة رغم أهميتها إلى نقاش فكرة العرقيات الصغيرة وموقعهم في الإسلام الحنيف.
بداية لا بد من التأكيد على أن مصطلح (الأقليات) لم يبرز ويطفُ على السطح إلا في ظل أنظمة الحكم والدول القومية، كالدول الأوروبية القديمة والحديثة، والسبب أنها دول قامت وما زالت بناء على القوميات والأعراق، ومن رحمها خرجت النازية والفاشية والأنجلوسكسون وغيرها من القوميات والنزعات. وكانت تلك الدول وما زالت تكافح فيها الأعراق والأديان الأقل نسبة في المجتمعات من أجل العيش بسلام أو الحصول على أقل القليل من الحقوق والامتيازات. ولم يحدث في تاريخ تلك الدول أو حاضرها أن أنصفت هذه العرقيات أو قاربت على أنصافهم.
أما الإسلام الدين الحنيف، فهو شيء آخر تماما، فدولته لا تقوم على الأعراق أو القوميات، بل الإسلام حارب القوميات والجهويات والوطنيات وكل أشكال التأطير العرقي، وفي تاريخ الدولة الإسلامية، حكمها ووصل إلى أعلى رأس الهرم فيها، العربي والتركي والكردي والمغولي والتتري والأوزبيكي والسلجوقي وغيرهم الكثير من الأعراق.
والإسلام حرص كل الحرص على بناء دولة حافظة لحقوق رعاياها بغض النظر عن قومياتهم أو دياناتهم أو أعراقهم، بل سمى كل من يعيش تحت سلطان الدولة بالرعايا، مسلما كان أم نصرانيا أم يهوديا أم مجوسيا أم من غيرهم، وفرض لهم حقوق الرعوية وساواهم جميعا أمام القضاء ومؤسسات الدولة.
تأملوا معي حديث رسول الله ﷺ القائل: «مَنْ آذَى ذِمِّيّاً فَأَنَا خَصْمُهُ، وَمَنْ كَنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، إذ اعتبر ﷺ من يؤذي الذمي وهو من يدخل في ذمة المسلمين من غير المسلمين، كتابيا كان أم مشركا، اعتبره ﷺ خصمه، ومن كان رسول الله ﷺ خصمه فقد خاب وخسر.
بل حتى المعاهد الذي يدخل في حماية الدولة وسلطانها ومنهم الذميون طبعا، قال في حقه ﷺ: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وهذا فاروق الأمة عمر بن الخطاب كان يسير يوماً في الطريق فرأى رجلاً يتسول، فقال له ما لك يا شيخ؟ فقال الرجل: أنا يهودي وأتسول لأدفع الجزية، فقال عمر: والله ما أنصفناك نأخذ منك شاباً ثم نضيعك شيخاً والله لأعطينك من مال المسلمين، وأرسل إلى خازن بيت المال وقال له: افرض لهذا وأمثاله ما يغنيه ويغني عياله، فخصص له راتبا شهريا يكفيه ويكفي عياله من بيت مال المسلمين وأوقف عنه الجزية.
لتتجلى في هذه الحادثة روعة الحكم الإسلامي وعظمته وعدله، ولتمحق بهتان المفترين والمتربصين بالإسلام.
فمشكلة العرقيات الصغيرة غير موجودة في قاموس الأمة وإسلامها، حتى يكون لهم واقع يستدعي الخوف عليه أو القلق بشأنه، وتاريخ الدولة الإسلامية الممتد لثلاثة عشر قرنا من الزمان شاهد على صدق كلامنا، وحوادث وقوف رعايا الدولة بغض النظر عن ديانتهم وأعراقهم مع دولة الإسلام ضد الغزاة كما حدث إبان الحروب الصليبية دليل دامغ على ثقافة ونهج العدل في ظل الإسلام الذي انعكس ولاء وانتماء من الآخرين للدولة التي لم يكن في ثقافتها لا (أقليات ولا أكثريات).
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس باهر صالح
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير