Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

إيران وتراجعها عن برنامجها النووي

 

 

تراجعت إيران عن موقفها المتشدد بشأن برنامجها النووي، بالتزامن مع التهديدات الأمريكية بعملية عسكرية ضدها. حيث قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده لن تسعى إلى البحث أو إنتاج أو امتلاك السلاح النووي تحت أي ظرف من الظروف. فبعد مرور عشر سنوات على توقيع الاتفاق النووي الذي تم الاتفاق عليه عام 2015م - سبع سنوات على انسحاب أمريكا منه بشكل أحادي - فإن الملاحظ أنه لا يوجد حتى الآن أدنى دليل على أن إيران انتهكت هذا الالتزام. وهذا ما أكدته تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، التي اعترفت مؤخرا بهذا الأمر بشكل كامل، كما لوحظ أن التفاعل الدبلوماسي كان هو خيار إيران الوحيد في الماضي، وظل فعالاً حتى الآن، وسيظل مستقبلاً، ما بدا واضحا للجميع أنه لا يوجد شيء اسمه خيار عسكري، ناهيك عن حل عسكري. وقد سبق أن صدرت تصريحات إيرانية مماثلة قبل نحو شهر، تؤكد عدم رغبتها في الحصول على سلاح نووي تحت أي ظرف من الظروف، مع أن كافة التصريحات السابقة كانت أكثر حدة وتطرفاً بهذا الشأن، وذلك أن الملف النووي الإيراني بأبعاده المحلية والإقليمية والدولية هو جزء مهم من سياسة أمريكا مع إيران، بل ويتداخل مع مسائل أخرى ليصبح ذا أبعاد إقليمية ودولية في الاستراتيجية الأمريكية، لذلك نرى أمريكا منذ توقيع الاتفاق سنة 2015 والتنصل منه سنة 2018 وسياسة مفاوضات العودة إليه كما يحصل اليوم، نراها تتمايل يميناً وشمالاً بخصوصه وفق ما يستجد من معطيات في سياستها. وبالتدقيق في رؤيتها الاستراتيجية للبرنامج النووي الإيراني نجد أن سياستها أقرب إلى إدارة هذا الملف منها إلى حله، كما أن هذه الرؤية لا تنفصل بحال عن استراتيجيتها الإقليمية في المنطقة الإسلامية والدولية.

 

لكن الانقسام الداخلي في أمريكا قد أثر بقوة على البرنامج النووي الإيراني، فقد كانت فترة إدارة ترامب الأولى هي الفترة التي وصل فيها الانقسام الأمريكي حداً خطيراً، فهاجم الرئيس ترامب وقتها سياسة سلفه أوباما بخصوص برنامج إيران النووي، فبالإضافة إلى خروجه من الاتفاق النووي سنة 2018 أعلن عن عقوبات قصوى ضد إيران وفتح المجال لكيان يهود للمزيد من النيل من إيران، ولأنه يتصرف بعنجهية، فقد قام بإذلال إيران حين قتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في حرسها الثوري بداية كانون الثاني/يناير 2020، ولأن إدارة ترامب الجمهوري كانت ولا تزال في حالة وئام تام مع كيان يهود بقيادة نتنياهو بعكس إدارة أوباما الديمقراطي، فإن كيان يهود قد أخذ يتمادى في ضرب الأهداف الإيرانية، سواء أكانت أهدافاً نووية مباشرة كتخريب محطة نطنز، أم غير مباشرة كقيامه بسرقة وثائق نووية حساسة من إيران بالإضافة إلى عمليات اغتيال متعددة لعلماء وخبراء نوويين إيرانيين.

 

ورغم قدرة إيران على إنتاج قنابل نووية إلا أنها لم تفعل، فقد ذكر تقرير جديد للاستخبارات الأمريكية نشر في 6 كانون الأول/ديسمبر 2024، أن إيران قادرة على إنتاج أكثر من 12 قنبلة نووية إذا قامت بتخصيب مخزوناتها من اليورانيوم، لكنها لم تتخذ بعد قرارا بصنع مثل هذا السلاح. ووفقا للتقرير نفسه، والذي يقر فيه بقدرتها على إنتاج البلوتونيوم الصالح للاستخدام في الأسلحة بسرعة إذا اختارت ذلك بمخزوناتها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 و60%، بالإضافة إلى امتلاكها أكبر مخزون من الصواريخ الباليستية في المنطقة والتي استخدمت بعضها في الهجوم على كيان يهود الغاصب، ولكن مع الأسف فقد أتى رد يهود كما وصفه قائد القوات المسلحة البريطانية توني راداكين، أنه دمر قدرة إيران على إنتاج الصواريخ الباليستية لمدة عام.

 

لقد كانت أمام إيران فرص عدة لامتلاك السلاح النووي ومنها ما صرح به خبراء عسكريون أنه لا يزال هناك احتمال واضح بأن تعلن إيران نفسها قوة نووية بحلول نهاية عام 2024، فيما مستقبل أمريكا السياسي غير مؤكد وسط انتخابات رئاسية متنازع عليها بشدة. فقد ذكرت تصريحات لفوكس نيوز ديجيتال، حيث قال جيمس كارافانو، نائب رئيس دراسات السياسة الخارجية والدفاعية لمؤسسة هيريتيج "أعتقد أن هذا خيار حقيقي... أعني، إذا كنت مكان الإيرانيين وكان عليّ أن أفعل ذلك، فإني سأفعله الآن لأن الرئيس بايدن لن يفعل شيئا". فجاء رد إدارة بايدن، حيث صرح متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لفوكس نيوز ديجيتال بالقول: "نحن ملتزمون بعدم السماح لإيران بالحصول على سلاح نووي، ونحن مستعدون لاستخدام جميع عناصر القوة الوطنية لضمان هذه النتيجة".

 

مع كل ذلك الأخذ والرد في قضية امتلاك إيران للسلاح النووي، فهل يمكن لإيران أن تصبح قوة نووية؟ نعم يمكن أن تكون لو لم تربط سياستها الخارجية بأمريكا، ومن ثم تصبح قوة ذات شأن. لكن ربطها نفسها بسياسة أمريكا لتدور في فلكها يجعلها لا تكون، وهي مستمرة كذلك لأن نخبتها الحاكمة قد استمرأت الارتباط بالسياسة الأمريكية لا تنفك عنها بحال، فبدل أن تتحكم هي بالاتفاق النووي ربطت ذلك بمحادثات فينّا أي بموافقة أمريكا، فقد قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، في مؤتمر صحفي، حسب جريدة إندبندنت عربي في 2022/6/13 "إذا تم إنجاز اتفاق في فينّا، فكل الإجراءات التي اتخذتها إيران قابلة للعودة عنها تقنياً". لذلك فإن تغييراً جوهرياً في إيران أمر مستبعد إلا أن تُحكِّم الإسلام في سياستها الداخلية والخارجية، وتقطع علاقتها بأمريكا قطعاً لا رجعة بعده. نقول هذا ونحن نستبعد حدوثه من الساسة الإيرانيين الحاليين، ولكن ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الله القاضي – ولاية اليمن

 

 

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.