Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وقفة مع آية

﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ

 

 

تكشف هذه الآية أن طريق الأنبياء لم يكن طريق المهادنة والسكوت، بل كان طريق الصراع والثبات، طريق مواجهة الطغاة، ونشر الحق لا دفنه تحت موائد المفاوضات، وأن الأنبياء لم يكونوا وحدهم، بل قاتل معهم ربانيون، أي أهل تقوى ووعي وعقيدة، يقاتلون بعقيدتهم لا لمصالحهم، ويثبتون بثقة لا بخوف.

 

فالربانيون الذين قاتلوا مع الأنبياء لم يقاتلوا طمعاً في دنيا، بل ثبّتتهم العقيدة، لم يهنوا، لم يضعفوا، لم يستكينوا؛ فأحبهم الله. فما وهنوا أمام الدماء، ولا ضعفوا حين اشتدت الأزمات، ولا استكانوا حين دعاهم العدو إلى المهادنة، بل صبروا وثبتوا وربطوا مصيرهم بنصر الله لا بإرادة المستعمر أو الحاكم.

 

واليوم، وفي ظل الهجوم العالمي على الإسلام، والعدوان على غزة، والتآمر على الأمة، تتكرر السنن؛ أنظمة مستسلمة، شعوب مخدّرة، وإعلام يروّج للسلام مع أعداء الله!

 

لكنّ وعد الله ما زال قائماً، وشرطه ما زال هو ذاته؛ أن نكون ربانيين، أهل وعي وعقيدة، صبر وثبات (أي رجال سياسيين) نجمع بين الحكمة والقيادة، لا نهادن الباطل، بل نقف لقلعه.

 

نعم إنّ هذه الآية العظيمة ترسم للمؤمنين طريقاً واضحاً ومضاءً بثبات الصادقين، وصبر الربانيين، الذين ما وهنوا في سبيل الله، وما ضعفوا، وما استكانوا، رغم شدّة الابتلاء، وعِظم المواجهة لأن مراحل سقوط الإنسان تبدأ بالوهن ثم بالضعف ثم بالاستكانة. فلا يدع الإنسان مكاناً للشيطان في حياته ليضعفه ثم يصل به الأمر إلى ترك ما يحمل وبعدها الخوض مع أهل الضلال والعياذ بالله.

 

إنها آية تُحيي في النفوس عِزّة الإيمان، وتُعلّمنا أن التمكين لا يُنال إلا بالصبر والثبات، وأن طريق الأنبياء ليس طريق تسويات ولا تنازلات، بل طريق صراع وجهاد، فيه تضحيات عظيمة لكنه يقود إلى مرضاة الله وإعلاء كلمته في الأرض.

 

فليكن المؤمنون ربانيين بحق، يحملون همّ الدعوة، ويجاهدون مع الدعاة الصادقين، كما جاهد الربانيون الأوائل مع الأنبياء، لا تعنيهم منافع الدنيا، ولا تُغريهم كراسي الحكم ولا زخارف النفوذ، بل يثبتون على الحق ويصبرون على الأذى في سبيله، يواجهون الطغاة، ويكسرون حاجز الخوف، ويصدعون بكلمة الحق ويثبتون على مشروع الخلافة الراشدة، صابرين محتسبين، لا يهنون ولا يضعفون ولا يستكينون، وليعلموا أن الله يحب الصابرين، وأن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وأن العاقبة للمتقين. حيث ونحن في زمنٍ كثر فيه الدعاة إلى الاستسلام، وتراجعت فيه همم الشعوب خلف رايات الديمقراطية والتطبيع، فهذه الآية نداء من السماء لتذكّرنا أن طريق النصر لا يكون بالركون إلى أعداء الله، بل بالمواجهة والصبر والثقة بنصر الله. فالصراع اليوم صراعٌ بين من يثق بوعد الله، ومن يظن بالله الظنونا. ومن كان ربانياً حقاً، فلن يساوم، ولن يهادن، ولن ييأس فضلا عن أن يستسلم بل سيقول كما قال أولئك الربانيون: ﴿حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.

 

فليكن درب الخلافة هو مشروعنا، إلى إقامة دين الله في الأرض، لا إلى موائد التفاوض ولا إلى مجالس الاستسلام. فلتكن الأمة ربانية، ولتنهض على وعي وثبات، كما كان مشروع الأنبياء والربانيين من قبل، ولنجعل من إعلاء كلمة الله قضيتنا المصيرية.

 

فيا من تحملون دعوة الإسلام، اثبتوا كما ثبت الربانيون، ولا تهنوا ولا تستكينوا، فإن الله وعدكم بالنصر، فاصبروا، فإن وعد الله حق، وها هي الأمة تقترب من ساعة الخلاص، والتمكين في الأرض لعباد الله الصادقين.

 

اللهم اجعلنا من الربانيين، واملأ قلوبنا ثباتاً، واجعلنا من جندك الذين تقيم بهم دينك في الأرض.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤيد الراجحي – ولاية اليمن

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.