- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2025-02-05
جريدة الراية: ماذا خسر المسلمون بغياب الخلافة؟
بقيام دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة ولدت أمة الهدى والعدل والرحمة، فملأت الدنيا نورا وعدلا بعد ظلم وظلام غطى الأرض، فسادت الدنيا، وأخرجت الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ظلم الأديان إلى عدل الإسلام، فصهرت بالإسلام أقواما لا فرق بين عربيهم وأعجميهم وأسودهم وأبيضهم، حكمت بالعدل بأمر الله القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾، وبعد وفاة النبي ﷺ كانت الخلافة، فسعد بها الناس قرونا عديدة، أهل ذمة ومسلمون، وكانت مثالا لحسن الرعاية والعدل وملاذاً لكل مظلوم.
فماذا تعني الخلافة؟ وماذا خسر المسلمون والناس جميعا بغيابها؟
- الخلافة رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها، تحفظ الدين وتسوس الدنيا بشرع رب العالمين.
- الخلافة دولة مبدأ، عقيدة انبثق عنها نظام شامل للحياة ينظم علاقات الناس بأدق التفاصيل، قال سبحانه وتعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾، وقال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾.
أمة الإسلام ليست وليدة اليوم ولا عالة على غيرها في الدساتير والقوانين، وتشريعها من خالق الكون والإنسان والحياة، المحيط علمه بكل شيء، تشريع خال من الهوى، على خلاف تشريع البشر الذي لا تجد فيه قانوناً واحداً إلا خادما لجهة معينة؛ شركات نفط أو سلاح أو مستثمرين ورأسماليين جشعين، والله يقول: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ﴾.
والإسلام يفرض على المسلمين إقامة دولة تحفظ عقيدته، وتنفذ شريعته، وتحمل رسالته، تحفظ الدين من النقصان، وتعطيه صفة الإلزام، فتنقله عقيدة وتشريعا من أفكار في بطون الكتب إلى واقع ملموس وقوانين ملزمة، وتنظم علاقات الدولة بغيرها من الدول.
والدولة ليست جزئية بل هي الإسلام كله، نظام حياة، دين منه الدولة فلا يقيم دولته إلا من أخذه كاملاً غير منقوص، كما جاء عن رسول الله ﷺ: «إنَّهُ لَا يَقُومُ بِدِينِ اللهِ إِلَّا مَنْ حَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ».
وعلى هذا بايع الصحابة الكرام نبيهم ﷺ على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره وعلى التضحية بالمال والرجال، وعلى القيام بالحق في كل الأحوال، لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يخافون أحدا إلا الله.
قامت دولة الإسلام فواجهت جبابرة الأرض من عرب وعجم، وأدخلت الشعوب في دين الله، فسعدوا بها وأصبحوا سادة الدنيا بعد أن قال المهزومون: ﴿إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾.
فكانت الخلافة موحدة لكلمتهم، قاهرة لعدوهم، بانية لعزهم وشرفهم، حافظة لدينهم وعرضهم، وحامية لأرضهم، مذللة الأرض لسلطانهم، ومرضية لربهم.
وبعد صراع طويل مع طواغيت الأرض أدرك أعداء الإسلام أن الخلافة هي مكمن قوة المسلمين، فإذا تم إسقاطها غاب الإسلام وأصابوا المسلمين بمقتل، فهدموها بمعونة خونة تلبسوا بلبوس الإسلام والعروبة، الطامعين في لعاعة من الدنيا.
وبزوال الخلافة زال الإسلام من العلاقات وتحول دينا كهنوتيا وفقها نظرياً في المكتبات بلا أثر في الحياة، فخسر المسلمون دينهم ودنياهم.
وبزوالها مُزِّق جسد الأمة كيانات هزيلة سميت دولاً زوراً وبهتانا، وحلت الوطنية محل العقيدة والدين، فغاب الوعي واستعبدت العقول.
وبزوالها زُرع كيان يهود جسماً سرطانياً في جسد الأمة، رأس حربة لأعدائها وحائلاً دون وحدتها ونهضتها.
وبزوالها رسم العدو حدود المسلمين، وصاغ دساتيرهم، ونصَّب حكامهم، وأحاط حكامهم بوسط سياسي قذر. جنّد لهم قوى أمنية تبطش بهم بوحشية، وصنع لهم إعلاما كاذباً وإعلاميين منافقين لقتل الوعي وقلب الحقائق، واشترى لهم مشايخ سلاطين مدلسين يفتون على ذهب المعز وسيفه. وصنع لهم جماعات تحتوي الشارع الإسلامي بشعارات إسلامية فارغة المضمون تخلو من أي رؤية إسلامية، تطوّع أعناق الناس للنظام فتكون صمام أمان له تستر خيانته وفساده وترقع تقصيره، وعندما انطلقت ثوراتهم، صنع ثورات مضادة بأساليب مختلفة منها ثورات مسلحة ارتبطت بالداعمين.
وبزوال الخلافة ذهبت الدولة الراعية لشؤون الناس، واختطفت الجيوش التي تحمي البلاد والعباد، فاحتلت البلاد وسفكت الدماء ودنست المقدسات واغتصبت الحرائر والجيوش مكبلة في ثكناتها متفرجة تحصي الخسائر!
وبزوال الخلافة نهبت الثروات وفرضت الضرائب والمكوس فاشتد الفقر وانتشرت البطالة، وانحرف التعليم، وفسدت العقول وانتشرت الرذيلة وغابت الفضيلة.
وبزوال الخلافة فقدنا قرارنا السياسي وأصبحت دولنا أنظمة احتلال تعادي دينها وشعوبها، وأصبحنا متسولين عند النظام الدولي صانع عذاباتنا، وأصبحنا بعد سيادة الدنيا أذلاء بلا كرامة في ذيل دول العالم الثالث، وبزوالها خسر المسلمون الدنيا والآخرة وأصبحت بلادهم مناطق نفوذ ومزارع لمستعمر حاقد وهم فيها عبيد.
هذه هي الخلافة وهذا ما تعنيه عودتها، التي حُرِّم علينا أن نبيت بدونها ثلاثة أيام، قال ﷺ: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
فلا يعادي عودة الخلافة التي توحد المسلمين وتقهر عدوهم وتحفظ دينهم وتحكم شرع ربهم وتصون دماءهم وأعراضهم ومقدساتهم إلا كافر أو عميل خائن منتفع أو جبان يخشى الناس أشد من خشية الله.
فلا يتذرع مسلم بالعجز، فوالله لا يجتمع إيمان في القلوب وقيادة سياسية واعية مخلصة تعضدها حاضنة شعبية إلا نصرهم الله ولو اجتمعت عليهم كل قوى الأرض.
كيف يهزم قوم الله معهم؟! وقال نبيهم ﷺ لصاحبه «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» وقال لهم ربهم سبحانه: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، وقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ وقال عز وجل: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ سعيد رضوان أبو عواد (أبو عماد)
المصدر: جريدة الراية