- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2025-07-23
جريدة الراية: العقيدة الإسلامية هي أساس النجاة وبوصلة الحياة
العقيدة لغة هي ما عقد في القلب، وفي الشرع هي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، كما جاء في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أن رجلاً أتى النبي ﷺ يسأله ويصدقه حتى قَالَ: فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ».
وهي التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل، وعقيدة الإسلام عقيدةٌ عقلية، إذ على الإنسان أن يجعل عقله دليلاً على الإيمان بحتمية وجود الخالق جل جلاله، وبأنه خلق الكون من عدم، وأنه لا يشبه شيئا من مخلوقاته، وأن القرآن كلام الله، وأن محمداً ﷺ رسولٌ من عند الله، ثم يأخذ ما جاء به الدليل النقلي من أركان الإيمان ويتوقف دور العقل على التصديق الجازم بما جاءت به الأدلة القطعية مما لا يصلح العقل أن يكون دليلاً عليها.
والعقيدة الإسلامية عقيدةٌ سياسية، أي أنها ليست عقيدةً كهنوتية، يكتفي المؤمن باعتقاد أن للكون خالقاً وحسب، ويفصلها عن شؤون حياته كلها أو بعضها، بل هي عقيدةٌ سياسية بمعنى أنها ينبثق عنها نظام يدير حياة الإنسان ومصالحه، ويسوس به شؤونه ويرعاه، فمنها تنبثق أحكام الشريعة الإسلامية التي تنظم جميع علاقات الإنسان سواء علاقته بخالقه أو علاقته بنفسه أو بغيره من المخلوقات، ومن هذه العلاقات علاقة الحاكمية بين الحاكم والمحكوم، وهي أن لمالك الكون وهو الله تعالى وحده حق الملك والتصرف والتدبير في ما خلق.
فنجد أن من لوازم العقيدة، أنها تنظم مسألة الحاكمية، فيؤمن المسلم بأن الحاكمية لله، ومن هنا جاء مصطلح عقيدة الحاكمية.
والعقيدة أساس التغيير الجذري لعقلية ونفسية الإنسان، حيث تجعل منه شخصية إسلامية. وعقيدة الحاكمية هي أول استحقاقات كلمة التوحيد، أي أول استحقاقات شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله. فبدون عقيدة الحاكمية تصبح كلمة التوحيد لا معنى حقيقيا لها، بل يصبح تأثيرها عادياً أو عابراً. فعقيدة الحاكمية هي المطلوب العملي التطبيقي للحياة الإسلامية، أو بمعنى آخر هي أساس الصراع بين الإسلام والكفر.
عقيدة الحاكمية نظرياً عند شراح العقيدة تكمن في أمرين: الأمر الأول هو الحاكمية التكوينية، أي أن الله سبحانه هو المهيمن على الكون خلقاً وقدراً وتقديراً، وهذا لا ينكره إلا الملحدون. لكن موضوعنا هو الأمر الثاني، وهو الحاكمية التشريعية التي هي من حيث الأهمية تكون في الأمر الثالث.
صحيحٌ أن الكفار لا يريدون الإسلام ككُل، لكن هناك ثلاثة أمور إن نجحوا في واحد منها يكونون قد تمكنوا من الإسلام والمسلمين.
- الأمر الأول هو نزع القداسة من النصوص القرآنية، وقد ألف المستشرقون لهذا كتاباً اسمه "تاريخ القرآن" واستغرق تأليفه حوالي 80 سنة، وكان مؤلفه شيطان المستشرقين لوندكه. فهم يرون أن القرآن كلام بشر قابل للنقد والتحليل والمناقشة والبحث والتفكير، فهو عندهم غير مسلّم ومقدّس. لكنهم لم يثمروا بهذا لأن المسلمين يقدسون دينهم مهما كان الوضع.
- الأمر الثاني هو ضرب حقيقة السنة وطعن في كتب البخاري ومسلم وغيرهما، وكذلك لم ينجحوا بهذا عند جمهرة المسلمين، وإن استطاعوا كسب أفراد يسمون أنفسهم المتنورين، لكنهم حقيقة لم يستطيعوا دس سمهم في أمة الإسلام، لذلك لم يثمروا حتى بضرب حقيقة السنة.
- أما الأمر الثالث فهو حرب عقيدة الحاكمية، وهم بهذا قد نجحوا وتمكنوا من المسلمين. وسنفصل كيف نجحوا في بعض الأشياء لتقريب الذهن.
فالقرآن يأمر بالاعتصام بحبل الله، لكنهم نجحوا بتقسيم الأمة. والقرآن يأمر بعدم موالاة الكفار، والمسلمون اليوم ينجرون لمجلس الأمن والمحكمة الدولية التي هي مؤسسات استعمارية لا تخدم غير مصالح الكفار، والواقع أكبر شاهد ودليل.
والقرآن يأمر بالجهاد لإعلاء كلمة الله، واليوم المسلمون يقتتلون لأجل الوطن فيما بينهم، وينسون عقيدة ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، والقرآن لا يقر غير نظام الإسلام، والكفار استطاعوا أن يجعلوا أنظمة الحكم في بلاد المسلمين جمهورية وملكية... وغيرها من الأنظمة المخالفة لعقيدة الإسلام، وهي التي تكرس تجزئة الأمة.
والقرآن يأمرنا بنصرة إخواننا المسلمين المستضعفين في أي بلد، واليوم غزة تموت والجيوش تحرس الحدود التي رسمها الاستعمار في مثل اتفاقية سايكس بيكو. وهناك أكثر من ستين آية من الكتاب الكريم تدور حول حاكمية الله.
لذلك، فإنه بدون عقيدة الحاكمية تصبح الشهادتان ليس لهما المعنى الكامل، بل ولا يمكن الوصول للإيمان وتحقيقه إلا بها، ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾، فبدون عقيدة الحاكمية يصبح الإسلام مجرد عبادات تُمارس في المساجد، بل ستُترك العبادات بدون ربطها بها.
يقول رسول الله ﷺ: «لَيُنْقَضَنَّ عرى الإسلام عُرْوَةً عُرْوَةً فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضاً الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلاَةُ». لذلك جعل الإسلام فرض الحكم بمنزلة تاج الفروض الذي إن عُطل تلاشت باقي الأحكام حتى تكون آخرها الصلاة.
لذلك عند النظر في واقع الناس تراهم يعيشون بمعايير مختلفة في الحياة، فكل إنسان له معيار. فترى شخصاً معياره المصلحة الشخصية، لا يهتم لمجتمعه ولا لدولته ولا حتى لدينه، وليس له من الدين يتمسك به غير ما يخصه كالصلاة والصيام، وتراه يتلفظ بدعوى (دع الخلق للخالق)، فهذا الإنسان وغيره ممن هم مثله ترى وجودهم وعدمهم سواء، يعيشون لمصلحتهم الشخصية فقط. والله يقول على من كان هذا حاله: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ فصاحب المصلحة الشخصية قطعاً يتبع الهوى؛ لأنه مخالف لدين الله بأخذه دين الله أخذاً انتقائياً، يأخذ ما يوافق مصلحته وما كان معارضاً لمصلحته فكأنه لم يسمعه!
أما المعيار الثاني فكأن يكون تابعاً لسيده أو شيخه أو تابعاً لرئيسه بالجملة؛ فمن كان هذا حاله فهو قد جعل من رئيسه الذي هو بشر مثله رباً من دون الله. عن عدي بن حاتم قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ﴾. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ. قَالَ: «أَجَلْ، وَلَكِنْ يُحِلُّونَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيَسْتَحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللهُ فَيُحَرِّمُونَهُ، فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ لَهُمْ».
أما صاحب المعيار الثالث فهو الإنسان العقائدي الذي يسير في الحياة بحكم الله سبحانه وتعالى، يدور مع الدليل حيث دار، ولا يلتفت إلى مصلحته إن توهم أنها معارضة للدليل، هذا الإنسان حاكمه في الحياة هو الله، يسير فيها وليس له حاكم غير الله.
بقلم: الأستاذ مياس المكردي – ولاية اليمن
المصدر: جريدة الراية