المكتب الإعــلامي
ولاية مصر
التاريخ الهجري | 21 من شوال 1446هـ | رقم الإصدار: 1446 / 31 |
التاريخ الميلادي | السبت, 19 نيسان/ابريل 2025 م |
بيان صحفي
قانون "تنظيم الفتوى" في مصر: قمع للشرع وخدمة للنظام لا للدين!
في خطوة تكشف عن طبيعة النظام المصري في مصادرة الدين وتطويعه لخدمة الحاكم، وافقت الحكومة المصرية على مشروع قانون جديد تحت عنوان "تنظيم الفتوى"، يهدف إلى معاقبة غير المختصين في إصدار الفتوى، بعقوبات تصل إلى السجن ستة أشهر وغرامة مائة ألف جنيه، مع إلزام وسائل الإعلام ومواقع التواصل بعدم نشر الفتاوى إلا من جهات حددها النظام مسبقاً، وهي: هيئة كبار العلماء، دار الإفتاء، مجمع البحوث الإسلامية، لجان وزارة الأوقاف. وفي حال تعارضت الفتاوى، يُرجح رأي هيئة كبار العلماء.
من حيث الشكل، قد يبدو هذا القانون خطوة لضبط الفوضى، ومحاولة لوضع حدٍّ للمتطفلين على الإفتاء، لكن عند التأمل في الجهات التي خُصصت للفتوى، والبيئة السياسية التي يصدر فيها هذا القانون، وواقع النظام الحاكم نفسه، يتضح أن هذه الخطوة ليست إلا محاولة جديدة للهيمنة على الدين، وتكميم للأفواه، ومصادرة للشرع لصالح السلطة، في سياق متصل بتوظيف الدين في دعم النظام وخدمة سياساته الإجرامية داخلياً وخارجياً.
قبل الحديث عن ضبط الفتوى، لا بد أن نسأل: هل هذا النظام يحكم بما أنزل الله حتى يقوم برعاية شؤون الناس بما أنزل الله ويعمل على ضبط الفتوى التي ربما تكون مخالفة للشرع؟ أم أنه نظام علماني لا يحكم بالإسلام، بل ويحارب كل من يطالب بالحكم به، ويلاحق كل ملتزم بشرع الله حتى على المستوى الفردي؟! فلماذا يهتم إذاً بالفتوى ومدى صحتها وضبطها، والإسلام برمته ليس دينه أو بضاعته؟! لا شك أن وراء الأكمة ما وراءها. ونسال هذا النظام: من الذي نشر الفوضى في الفتوى؟ أليس هو الذي سمح ودفع برجال دين مأجورين إلى شاشات الإعلام ليبرروا له كل جريمة؟ أليس هو من سمح لمرتزقة دين، لا حظ لهم من العلم، أن يفتوا في الجهاد والحجاب والمعاملات بما يوافق مزاجه؟ أليست دار الإفتاء ذاتها هي التي وصفت مقاومة الاحتلال في فلسطين بـ(الإرهاب)، وحرّمت على الناس الخروج على الظالمين؟ هذه هي إذاً الأكمة وما وراءها، أليس كذلك؟!
من وجهة نظر الإسلام، الفتوى بيان لحكم الله في المسائل التي تُعرض على المفتي، وهي من فروض الكفاية إذا وُجد من يقوم بها، ومن فروض الأعيان إذا لم يوجد من يُفتي بالحق. ولم يجعل الإسلام الإفتاء حكراً على جهة حكومية، بل اشترط العلم والعدالة والتقوى فيمن يتصدى للفتوى، لا انتماءه لمؤسسة رسمية! وقد روى أبو داود عن النبي ﷺ أنه قال: «مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ». فالمعيار في شرعية الفتوى ليس "ترخيصاً من الدولة"، بل أن يكون المفتي عالماً بالكتاب والسنة، قادراً على الاستنباط، ورعاً لا يخاف في الله لومة لائم.
أما حصر الفتوى في هيئات معينة، وتكليف الدولة بالتحكم بها ومنع غيرها، فليس من الشرع في شيء، بل هو بدعة سلطوية ابتدعها الحكام المستبدون منذ أن نزعوا السلطان من الأمة.
والأخطر من ذلك أن النظام بهذه الخطوة يسعى إلى صناعة أكليروس مصري رسمي، على غرار الكنيسة في أوروبا في عصور الظلام، حيث تحتكر فئة معينة الحديث باسم الدين، ويُمنع عامة الناس والعلماء الأحرار من بيان حكم الله إن خالف هوى الحاكم. وهذا يخالف أصول الإسلام التي لم تعرف مطلقاً ما يُسمى برجال الدين أو مؤسسة دينية تحتكر الشرع، فالإسلام ليس فيه كهنوت، ولا واسطة بين الناس وربهم، وإنما فيه علماء وفقهاء ومحدثون، يطلبون العلم ويجتهدون فيه ويبلغونه، ولا يُقيمهم سلطان، ولا يُعطيهم ترخيصاً.
وقد حرم الإسلام قيام أي سلطة أو مؤسسة دينية تهيمن على الدين أو تمنع غيرها من البيان، كما حرم على الدولة أن تفرض خطاباً دينياً واحداً تابعاً لها، لأن ذلك يتحول من خدمة الدين إلى استخدامه وقمع ما سواه.
الجهات التي سمّاها القانون جهات "اختصاص" بالفتوى، هي نفسها الجهات التي بايعت الظالمين وأيدت الظلم، وهي جزء من نظام يحكم بالرأسمالية ويحارب الإسلام وحملة الدعوة لتطبيقه من جديد. فدار الإفتاء المصرية أفتت بمشروعية القروض الربوية من صندوق النقد الدولي! وهيئة كبار العلماء أيدت السيسي في انقلابه، وأفتت بحرمة الخروج عليه! رغم كونه لا يحكم بالإسلام ويحافظ على حدود سايكس بيكو ولم يصل للحكم ببيعة شرعية صحيحة! أما وزارة الأوقاف فهي بوق سياسي يحشد الخطباء لمهاجمة كل صاحب كلمة حق أو مجاهد، ويدعو في المساجد لطاعة النظام والرضا بسياساته! ومجمع البحوث الإسلامية يتجاهل أحكام الجهاد والخلافة والحدود، ويُروّج للإسلام الممسوخ على طريقة "الإسلام الأمريكي"! فهل هذه الجهات تملك شرعية؟ أم شرعية سلطوية فقط؟ إن الشرع لا يعرف فتوى تصدر تحت سيف الحاكم، ولا يعترف بمنصب مفتٍ عام يصدر الفتاوى بما يناسب "المرحلة" ويخدم "الاستقرار"!
إن ما يحدث في مصر اليوم هو تحويل الدين إلى وظيفة بيروقراطية، والفتوى إلى تصريح من وزارة الداخلية. والهدف ليس ضبط الفوضى، بل ضبط الشعب، ووأد أي صوت يعارض سياسات النظام باسم الدين. وهذا يناقض تماماً طريقة الإسلام، الذي كان العلماء فيه أحراراً في قول الحق، لا يخافون في الله لومة لائم، لا سلطان للحاكم عليهم، بل كانوا حراس الشرع في وجه الحاكم الظالم.
المفارقة أن كثيراً من الذين يُراد منعهم من الفتوى، ليسوا جهّالاً، بل هم دعاة مخلصون، يتكلمون في قضايا الأمة الكبرى، من الجهاد إلى تحرير فلسطين، إلى فضح خيانة التطبيع، إلى وجوب إقامة الخلافة. وهذا هو جوهر المشكلة: السلطة لا تريد فتوى شرعية حقيقية، بل تريد فتوى تخدم النظام وسياساته الكارثية وخياناته في ثوب شرعي. لهذا كان لا بد لهم من سن قانون يُجرّم كل من يتحدث بالدين خارج "التعليمات"! وبهذا تصير الفتوى خاضعة للرقابة الأمنية، لا للضوابط الشرعية، وهذا هو عين علمنة الدين.
من هنا، فإننا في حزب التحرير/ ولاية مصر نؤكد أن البديل عن هذا العبث كله هو: تحرير الدين من قبضة الدولة وجعل عقيدته أساسا لها ولدستورها وقوانينها وكل ما فيها، وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي ترفع تسلط الدولة على القاضي والمفتي والعالم وحتى العلم بل والأمة بعمومها، وتعطيهم حقهم في إظهار الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتنشئ أجيالا لا تخشى في الله لومة لائم.
إن قانون "تنظيم الفتوى" في مصر، ليس تنظيماً للفتوى بل هو تنكيل بالشرع وتمكين للغرب وعملائه. وليس لحماية الناس من الجهل، بل لحمايتهم من الحق وتعميق جهلهم به. وليس لضبط الدين، بل لتجريده من جوهره.
يا علماء الأزهر ويا علماء الأمة: أنتم ورثة الأنبياء، ومقامكم عند الله عظيم، وأمانتكم أثقل من الجبال. وإننا اليوم نعيش زمناً تُستباح فيه الأحكام، ويُشوَّه فيه الإسلام، وتُسخَّر فيه الفتوى لتبرير ظلم الحكام، فلا تكونوا عوناً للظالم، ولا سيفاً في يد الطاغية، ولا صدىً لوزارة أو دار إفتاء، بل كونوا كما أمركم الله: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ﴾، وقولوا كلمة الحق، وبيّنوا أحكام الشرع، وانصروا المظلومين، وارفضوا احتكار الدين وتدجينه، قال ﷺ: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»، واعلموا أن التاريخ لا يرحم، وأن الأمة تراقب، وإن ربكم سائلكم: ماذا فعلتم عندما كُتم الحق، وسُجن الصادقون، واحتكر الدين؟!
يا أهل الكنانة: إن هذا القانون الجائر ليس لحماية دينكم، ولا لصيانة عقولكم، بل هو حلقة في سلسلة السيطرة على دينكم وتجريدكم من سلاحكم الأقوى: الشرع والحق. إنهم يريدون أن يُخرسوا أصوات العلماء الصادقين، ويُسكِتوا الدعاة الأحرار، ويمنعوا كل من يُذكّركم بأن الإسلام هو دين العزة، لا دين الخنوع، وأن الطاغوت لا يُطاع ولو لبس عباءة الفتوى. فلا تُخدعوا بالشعارات، ولا تنخدعوا بكلامهم عن "ضبط الفتوى"، فالمقصود ضبطكم، لا ضبط الدين. المقصود هو منعكم من سماع كلمة الحق، حتى لا تفيقوا، ولا تنهضوا، ولا تحاسبوا من ظلمكم وسرق قوتكم وتحالف مع عدوكم.
يا أهل الكنانة: دينكم أمانة في أعناقكم، فلا تتركوه في يد نظام فاسد، ولا ترضوا أن يُقصى الحق، ويُبتر القرآن، ويُسجن العلماء، وتُسخّر المساجد لتبرير الخيانة والعمالة. وكونوا مع الحق، ولا تسكتوا عن المنكر، فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾
المكتب الإعلامي لحزب التحرير
في ولاية مصر
المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية مصر |
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة تلفون: www.hizb.net |
E-Mail: info@hizb.net |