المكتب الإعــلامي
البلاد الناطقة بالألمانية
التاريخ الهجري | 1 من رجب 1441هـ | رقم الإصدار: 1441 / 03 |
التاريخ الميلادي | الثلاثاء, 25 شباط/فبراير 2020 م |
بيان صحفي
بخصوص المؤتمر الأمني الثالث والخمسين بمدينة ميونخ
اجتمع كبار الشخصيات الفاعلة في مجال السياسة والعلم والمجتمع المدني من تاريخ 14 إلى 16 شباط/فبراير 2020م في مدينة ميونخ الألمانية للمشاركة في المؤتمر الأمني السنوي الذي يعقد هناك، وقد عُقد المؤتمر تحت عنوان "اللا غربية" ليطرح من جديد تدهور النظام الليبرالي العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. فبجانب التناقض الفكري في هيكلية الاستراتيجية الألمانية فقد أظهرت الكلمات التي ألقاها الممثلون الألمان ابتداءً من رئيس الجمهورية فرانك فالتر شتاينماير، مروراً بوزير الخارجية هايكو ماس، وانتهاءً بوزيرة الدفاع أنِغريت كرامب كارنباور، مدى التبعية الخطرة التي يتعرض لها مسار السياسة الخارجية والأمنية الألمانية.
فبصفته الوظيفية العليا قام رئيس الجمهورية فرانك فالتر شتاينماير برسم الخطوط العريضة للسياسة الخارجية والأمنية الألمانية. وقد ركز أولاً على تغيُّر الأُطر العامة للسياسة الدولية، ما أدّى بدوره إلى التشكيك في أمور طالما اعتُبرت من المسلَّمات، حيث قال: (أخشى أننا نشهد اليوم تزايداً لديناميكية هدّامة في السياسة العالمية (...)، إن فكرة "التنافس بين القوى العظمى" لا تُشَكِّل فقط الأوراق الاستراتيجية في أيامنا هذه، بل هي تسيطر كذلك على الواقع الجديد الذي نعيشه،...) فبعد روسيا والصين قام الآن "الحليف الأقرب" لألمانيا الاتحادية - الولايات المتحدة الأمريكية - بنبذ فكرة المجتمع الدولي. وإن النظرة القومية الضيقة ستؤدي حسب قوله (في خضمّ المآزق الأمنية الجديدة، وسباق التسلح النووي، وازدياد حِدّة الصراعات الإقليمية إلى الفشل في علاج المسائل الإنسانية العظمى عبر عمل جماعي مشترك). فألمانيا ما زالت (محاطة بالأصدقاء) حسب تعبيره، ولكن الاتحاد الأوروبي يواجه تحديات كبيرة: (إذا نظرنا اليوم إلى الاتحاد الأوروبي فإننا نلاحظ تباعداً اقتصادياً بدلاً من تقارب، ونلاحظ تصدعات سياسية، وكذلك أيديولوجية بشكل متزايد،... فبخلاف السابق لا يمكننا أن ننطلق عام 2020 من منطلق أن القوى العظمى لها مصلحة في اندماج أوروبي ناجح. بل على العكس من ذلك، فإن كل واحد من كبار اللاعبين يبحث عن مصالحه الذاتية، ولو على حساب الوحدة الأوروبية، وهذا ليس تطوراً جيداً بالنسبة لنا.) ويجب التصدي لكلا التطورين حسب قوله... فيجب مواصلة التمسك بفكرة المجتمع الدولي، والسعي لإيجاد منظومة قانونية دولية، وتقوية أوروبا باعتبارها (الإطار الحتمي لإثبات الوجود الألماني في العالم).
وعلى الصعيد الحركي لا يمكن تحقيق هذه السياسة الخارجية والأمنية إلا بتقوية الحلف الأطلسي والسياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي، حيث قال شتاينماير: (بالنسبة لألمانيا فإن تطوير اتحاد أوروبي فاعل على صعيد السياسة الدفاعية هو أمر لا بد منه، تماماً مثل توسيع الدعامة الأوروبية في الحلف الأطلسي). وقد استأنف الحديث عن هذه "الاستراتيجية المزدوجة" كل من وزير الخارجية هايكو ماس ووزيرة الدفاع أنِغريت كرامب كارنباور، حيث أكد وزير الخارجية ماس أن ألمانيا على استعداد لبذل جهد أكبر، بما في ذلك الجهد العسكري: (وبطبيعة الحال فإني أفكر بهذا الصدد في بناء اتحاد أمني ودفاعي أوروبي كدعامة أوروبية قوية في داخل الناتو، وهذا ما نعمل له بشكل حثيث سوياً مع فرنسا، ونحن نقبل بعرض الرئيس ماكرون لإجراء حوار استراتيجي في هذه المسألة). ولكن هذه المشاركة العسكرية يجب أن تتبع منطقاً سياسياً معيناً: (فبدون دبلوماسية، وبدون استراتيجية سياسية واضحة، وبدون بناء قدرات عسكرية في المواقع نفسها فإننا نجازف - في أحسن الأحوال - أن لا تجدي العمليات العسكرية نفعاً، وفي أسوأ الأحوال يمكنها أن تزيد الأزمة). والخط العريض في هذا الصدد هي المقولة التي أطلقها وزير الدفاع الألماني الأسبق بيتر شتروك، حيث قال: (إن الدفاع عن الأمن الألماني يتم كذلك في جبال السند والهند.) والآن يجب توسيع هذا الخط العريض، لأن الدفاع عن الأمن الألماني يتم أيضاً (في العراق وليبيا والساحل وكذلك على طاولات المفاوضات في نيويورك وجنيف وبروكسل) حسب قوله. وأيضاً فعلى ألمانيا وأوروبا (أن تضعا ثقلاً أكبر في موازين السياسة الدولية) هذا ما صرحت به وزيرة الدفاع أنِغريت كرامب كارنباور. وهذا الأمر لا ينحصر لزومه في سياق المنافسة النظامية بين أمريكا والصين فحسب، بل أيضاً بالنظر (إلى الجوار الجنوبي لأوروبا - أي أفريقيا والشرق الأدنى والأوسط).
إن هذه الخطوط العريضة للسياسة الخارجية والأمنية الألمانية تُظهر تداعيات خطيرة. فمن جانب تريد الحكومة الألمانية أن تنفتح لمبادرات كدعوة الرئيس الفرنسي ماكرون لإجراء حوار استراتيجي لبناء سياسة خارجية وأمنية أوروبية مستقلة. ولكن سياسة دفاع أوروبية مستقلة هي عُرضة للفشل جراء معارضة دول أوروبا الشرقية لها، وقد تبعث خصومات تاريخية من جديد: (إن التصور الألماني والفرنسي في بناء قدرات دفاعية أوروبية مستقلة عن الولايات المتحدة ستولد تخوفات لدى الحكومة البولندية من سيطرة ألمانية على أوروبا) كما جاء في تحليل حديث لـ"مجلة السياسة الدولية والمجتمع". وفي الوقت نفسه تسعى الحكومة الألمانية لتقوية الحلف الأطلسي مع الولايات المتحدة، وتثبيت السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية كدعامة أوروبية في حلف الناتو. لذا فإن الخلاف الذي سينشأ جراء ذلك مع فرنسا قد يؤدي إلى فشل المشروع قبل بدئه. وأيضاً فإن النقاش الدائر حالياً حول تدخل أوروبي أحادي في الخليج العربي ومستقل عن السياسة الأمريكية تجاه إيران (سياسة الضغط القصوى) يعكس المصالح المتضاربة، وهو نذير لخلافات أخرى تنتج بالضرورة عن نظم تحالفية متناقضة.
وفوق ذلك فإن كلا المسارين يجعلان المصالح الألمانية رهن استراتيجيات فاشلة في الشرق الأدنى والأوسط وكذلك في القارة الأفريقية. فالمحيط الأوروبي - أي البلاد الإسلامية - ينظر إلى الولايات المتحدة وفرنسا أنهما قوتان عدائيتان تريدان الحفاظ على نفوذهما ومصالحهما الاقتصادية وتوسيعهما، وتنفيذ خططهما السياسية في المجال الأيديولوجي والثقافي. وإذا بقيت السياسة الخارجية والأمنية الألمانية على حالها تدور في شراك التدخلات الأمريكية والفرنسية فستفشل كما فشلت الحروب الأخيرة في البلاد الإسلامية، سواء في أفغانستان أو العراق أو مالي. أضف إلى ذلك الوضع غير المستقر في البلاد الإسلامية الذي سببه الأساس هو فرض نظام غريب عليها بعد الحرب العالمية، نظام يخالف الهوية ونمط الحياة الإسلامية كل المخالفة. كان من المفترض أن يدرك الاستراتيجيون في أروقة وزارة الخارجية الألمانية أثناء أحداث الربيع العربي على أكثر تقدير أن الكيانات الحالية في العالم الإسلامي قد فشلت، وأن الاستقرار السياسي لا يمكن تحقيقه في هذه المنطقة إلا بإقامة دولة إسلامية حقيقية. فسياسة خارجية عدوانية تدافع عن القيم الغربية في العراق وليبيا والساحل ستؤدي إلى استدامة النزاعات الحالية وإلى التدمير النهائي للسمعة الإيجابية نسبياً التي تتمتع بها ألمانيا في هذه المنطقة.
وأمام هذه الخلفية فإن حزب التحرير في البلاد الناطقة بالألمانية يحذر أصحاب القرار في أروقة السياسة الألمانية الاتحادية وبشكل حثيث من توسيع النشاطات العسكرية الألمانية في البلاد الإسلامية. فبدلاً من محاولة اصطياد مصالح ذاتية في داخل حلبة الصراع الفرانكو-أمريكية والوقوع كشريك ناشئ في حبال ألاعيبهم السياسية فإن الأجدر بألمانيا أن تطور استراتيجيتها الذاتية وأن تتحرر على المدى البعيد من ارتباطها الحالي بهياكل تحالفية ومسارات سياسية لدول أخرى. وبسبب تحالفها التاريخي مع الخلافة العثمانية فإن ألمانيا لها رصيد من العلاقات ما يمكن اعتباره مَزِيَّة استراتيجية لها، مقارنة بالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين. وبالنظر إلى النزعة الأحادية التي بدأت تنتشر في السياسة الدولية فإن على ألمانيا أن ترسم لنفسها استراتيجية تناسب هذا التحدي، وتمكنها من بناء علاقات جيدة وممتدة مع البلاد الإسلامية المجاورة لها.
المكتب الإعلامي لحزب التحرير
في البلاد الناطقة بالألمانية
المكتب الإعلامي لحزب التحرير البلاد الناطقة بالألمانية |
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة تلفون: 0043 699 81 61 86 53 www.hizbuttahrir.today |
فاكس: 0043 1 90 74 0 91 E-Mail: shaker.assem@yahoo.com |