- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
بدءُ الصَّومِ والفطرِ واحدٌ لكلِّ المسلمين
وسببُهما رؤيةُ الهلالِ أو إكمالُ الثلاثين وليسَ ولادةَ الهلال
الخبر:
تختلف آراء المسلمين في مسائل تتعلق بثبوت بداية الصيام وثبوت الفطر، منها: هل يثبت ذلك بالحسابات أم أنه لا يثبت إلا بالرؤية أو إتمام الثلاثين؟ ومما يورده المحتجون بالحسابات أن الحسابات قطعية ويثبت بها ثبوت ولادة الهلال ودخول الشهر بشكل قطعي. ويبنون على ذلك إثباتَ بدء الصوم أو الفطر بواسطتها، وهو ما يردُّه الذين يَقصُرون الإثباتَ على الرؤية أو إتمام الثلاثين.
التعليق:
نعم، هذه من المسائل الخلافية في تحديد أول أيام الصيام ويوم الفطر، ومثلها أيضاً مسألة اختلاف هذين اليومين عند المسلمين تبعاً لاختلاف الدول أو البلدان والمسافات بينها، وتتجدد تساؤلات المسلمين حولها وحواراتهم فيها سنوياً عند حلول شهر رمضان المبارك.
والدليل في المسألتين قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ». أما المسألة الأولى وهي ثبوت بدء الصوم أو الفطر، فقوله ﷺ «لِرُؤْيَتِهِ» في الحالتين، يدل على أن السبب الشرعي فيهما هو رؤية الهلال، وعند عدم حصول الرؤية يصبح السبب الشرعي إكمال عدة الثلاثين. أي أن الشرع ربط بدء الصوم أو الفطر بالرؤية أو إكمال الثلاثين، وليس أيِّ شيء آخر، ولم يربط ذلك بثبوت دخول الشهر ولا بثبوت الاقتران أو ولادة الهلال. وقوله ﷺ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ»، واضح في حصر السبب في أمرين فقط: الرؤية وإكمال العدة، ولا ثالث لهما. وهذا يُضعف القول بإثبات البدء بناءً على الحسابات الفلكية وبغير الرؤية أو الإكمال، بل وينفيه بقوة.
وحجة القائلين بثبوت البدء بالحسابات الفلكية، هي أن الحسابات في هذا الأمر دقيقة وقطعية، وهي تُثبِت حصولَ الاقتران وبدء الشهر القمري بشكل قطعي. ومن هنا تنشأ المجادلات وتساؤلات كثيرين ممن يميلون إلى هذا الرأي: أليست الحسابات صحيحة وموثوقة بل قطعية؟ ألا يثبت بها ولادة الهلال ثبوتاً قطعياً؟ فلماذا لا يثبت بدء الصوم والفطر بها؟ ويضيفون إلى ذلك أن قصر الحديث الأمرَ على الرؤية أو إكمال الثلاثين إنما كان لأنه لم يكن علمٌ وحساب في ذلك الزمن كما هو الحال اليوم.
وهذا الاحتجاج مردودٌ من جهتين؛ الأولى: إن هذا الجدل لا علاقة له بمحل البحث. فليس الموضوعُ ثبوتَ الاقتران أو دخولَ الشهر القمري ولا هو ثبوتَ ولادة الهلال. والجواب على التساؤلات حول الثقة بالحسابات هو: بلى، هي موثوقة وتُعامَل معاملةَ القطعيات. فعندما تقول الحسابات إن هلال شهر رمضان أو هلال شوال يولد يوم كذا الساعة كذا، فهذا صحيح وموثوق ولكنّ هذا ليس هو محل البحث فلا يُبنى عليه شيء. والاحتجاج بهذا الأمر خطأٌ سببُه عدمُ التنبُّه إلى أن الشرع جعل بداية الشهر عند الرؤية أو عند إكمال الثلاثين وليس عند ثبوت الاقتران أو الولادة. فنقول مثلاً: نعم، حصل الاقتران ووُلد الهلال، ولكن لم يثبت بدء الصوم أو بدء شهر رمضان، أو لم يثبت العيد أو بدء شهر شوال. لأن الاقتران والولادة ليسا من الأوصاف أو العلامات على الصوم أو الفطر، لا شرعاً ولا عقلاً. ولم يجعل الشرع دليلاً على دخول الصوم أو الفطر إلا علامتين واضحتين أو وصفين ظاهرَيْن اثنين لا غير، هما الرؤية أو إكمال عدة الثلاثين.
أما الجهة الثانية في رد احتجاج القائلين بالثبوت بناءً على الحسابات الفلكية، فهي على قولهم إنَّ قصرَ حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأمرَ على الرؤية أو إكمال الثلاثين إنما كان بسبب عدم العلم بالحساب في ذلك الزمن. وهذا القول مردود لأنه لا دليل عليه، وواقعه أنه يقرِّرُ علّةً للحكمِ لم تأت في أيّ مسلك شرعي.
أما المسألة الثانية، وهي تعدد بدايات الصوم أو الفطر عند المسلمين، تبعاً لاختلاف الدول والبلدان. فهذا مما يردّه النص والواقع. أما النص، فقوله ﷺ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»، جاء الأمر فيه «صُومُوا»، «أَفْطِرُوا» عاماً لكل المسلمين. وجاء لفظ الرؤية فيه مطلقاً، أي شائعاً في أي رؤية من أي شخص، فلا تُقَيَّد بأشخاص من بلاد معينة، ولا بعدد من الأشخاص، إلا بدليل شرعي. ولم تُقَيَّد الرؤية شرعاً إلا بأن تكون رؤية مسلم أو مسلمين. وبناءً على ذلك، فإن الأمر بالصوم والفطر جاء عاماً لكل المسلمين، والرؤية جاءت مطلقةً في رؤية أي مسلم. ولا يبقى في ذلك إلا أن يثبتَ صدق من يزعم الرؤية.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتور محمود عبد الهادي