- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
بين حسين الشرع والحرّية والخصخصة… ضاعت البوصلة
الخبر:
في العشرين من شباط الماضي انتشر على مواقع التواصل وفي المواقع الإعلامية والإخبارية خبر عن تغريدة لحسين الشرع والد أحمد الشرع، ينتقد فيها تصريحات أدلى بها مسؤولون كبار في إدارة الشرع عن نيّة الإدارة خصخصة مرافق كانت في عهد النظام البائد من القطاع العامّ. وممّا ورد في تغريدة حسين الشرع: إنّ "الحديث عن تخصيص شركات ومؤسّسات القطاع العامّ الاقتصادي خطأ كبير، لأنّ هذا القطاع أقيم على مدار عقود، ويعدّ ثروة قومية ومِلكا للشعب".
التعليق:
حين نشر حسين الشرع انتقاده لمشاريع الخصخصة في سوريا الجديدة، لم يلتفت المطبّلون الجدد إلّا إلى "حرية الرأي" التي لم تعرفها سوريا منذ عشرات السنين، وصرفوا الأنظار عن موضوع الانتقاد الخطير، أي خصخصة الملكيات العامّة. وكأنّ هذه الحرّية التي يتغنّون بها ستبني لهم دولة!
أيّها الناس: نحمد الله تعالى على سقوط نظام الاستعباد والكفر والإجرام، ولكن إيّاكم أن تتوهّموا أنّ "الحرّية" تبني دولة أو مجتمعاً أو اقتصاداً.
ها هي دول الغرب، مهد حرّية الرأي والحرّيات العامة، ماذا نفعتها حرّيتها؟ الرأسمالية تهيمن عليها. هي النظام، وهي التي تصوغ المجتمع. وحيتان المال هم المهيمنون على الاقتصاد وعلى القرار السياسي في الداخل والخارج، ولا دور لقادة الفكر الأحرار، ولا صوت يُسمع لأصحاب الكلمة الحرّة. وها هي دولتكم الجارة لبنان فيها من الحرّية ما يبلغ حدّ الفوضى، واللصوص يحكمونها ويسيطرون عليها.
فهل هذه الحرّية التي تريدونها وتتغنّون بها؟ أترونها ستبني لكم دولة؟ أم تنشئ مجتمعاً تصبون إليه؟!
يا أهل الشام: اصرفوا اهتمامكم إلى ما يُحضَّر لكم من وراء الحدود وينفّذ تحت ستار شعارات الحرّية والدولة المدنية ودولة القانون والحوار الوطني ولجان صياغة الدستور، وحذار أن تُنشئوا جيلاً جديداً من المطبّلين.
لا تنقادوا لأحد دون تفكير ومحاسبة ومساءلة، فقط لأنّه حرّركم من المجرمين، كما صرّح أحدهم دون أيّ حسّ مسؤولية ولا احترام لأهل الشام.
هويّتكم الإسلام، هو مبدؤكم، وهو حضارتكم، وهو ثقافتكم. وتشريعاته هي قوانينكم، ولا يجوز أن يكون مصدر دستوركم سوى الكتاب والسنّة، ولا يجوز أن يوكل أمر صياغة الدستور للعلمانيين والمشترعين. هذا مقتضى إيمانكم، وهذا ما يليق بكم، وبثورتكم المباركة. قال تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾.
ولنأت الآن إلى موضوع تغريدة الشرع الذي تجاوزه معظم المعلّقين متلهّين بوهم الحرّية. فما حكم الشرع في الخصخصة؟
بداية أشير إلى أنّ لفظ "الخصخصة" لا وجود له في اللغة العربية، وأنّ التعبير الصحيح هو "التخصيص".
أمّا من حيث المضمون، فإنّ المقصود بمصطلح "الخصخصة" هو تحويل قطاع تملكه الدولة أو مِلكيّة عامّة تتولّى الدولة رعايتها أو استثمارها إلى قطاع خاصّ يتملّكه أفراد، وغالبا تتملّكه شركات يملكها أفراد.
وعليه فإنّ الحكم على ما يسمّى "الخصخصة" يتوقّف على معرفة واقع القطاع الذي يراد تحويله إلى قطاع خاصّ (خصخصته)؛ من أيّ أصناف المِلكيّة هو؟
١. أهو من أصناف المِلكية الفردية التي أجاز الشرع للأفراد تملّكها؟
٢. أم هو من المِلكية العامّة، أي فيها حقّ لجميع أفراد الرعية، فلا يجوز لأفراد تملّكها؟
٣. أم هو من مِلكية الدولة التي أُعطي رئيس الدولة حقّ التصرف بها، تمليكا (بالبيع أو الهبة)، أو إعارة، أو إجارة، أو شراكة (الشراكة بين القطاعين الخاصّ والعامّ).
فهذه الثلاثة هي أنواع المِلكيّة في الإسلام.
فأمّا ما كان من قَبيل المِلكية العامّة التي لا يجوز لفرد أن يتملّكها ولا يجوز للدولة أيضا أن تتملكّها، وإن جاز لها الإشراف عليها واستثمارها لمصلحة الرعيّة، فهذا لا يجوز أن يُمنح للأفراد، أي لا يجوز أن يخصّص.
مثال ذلك النفط والغاز وسائر المناجم الأرضية التي هي مِلكية عامّة، فلا يجوز تمليكها لأفراد، ولا منح امتياز استخراجها لشركات خاصّة. ولا تجوز حتّى الشراكة فيها بين القطاعين الخاصّ والعامّ، لأنّ الشراكة شكل من التمليك ولو جزئيا. ويجوز استئجار شركات خاصّة لاستخراجها وتصنيعها مقابل أجر محدّد.
وكذا الكهرباء، فإنّه وإن جاز للأفراد أن ينتجوها ويبيعوها، إلّا أنّ واجب الدولة أن تكفل وصولها إلى الناس بكلفة إنتاجها على الأكثر، لأنّ النار من المِلكية العامّة، والكهرباء تنضوي ضمن مفهوم النار، قال رسول الله ﷺ: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْكَلَأِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ» رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات. ثمّ إنّ تمديد شبكات الكهرباء تكون على أعمدة فوق الطرقات العامّة أو تحتها، وهي مِلكيّة عامّة، فلا يجوز منح هذه الطرقات أو جزء منها للشركات الخاصّة. والحكم نفسه في شبكات الاتّصال السلكية (الهاتف مثلا) التي تمدّد على الأعمدة فوق الطرقات العامّة أو تحتها.
وكذلك لا يجوز منح امتياز حصري لشركات خاصّة باستخراج الملح أو صيد السمك لأنّهما من المِلكية العامّة. ولا يجوز حصر استثمار النقل البحري أو النهري بشركة خاصّة، لأنّ البحار والأنهار والبحيرات هي مِلكيّة عامّة يحقّ لجميع الناس استعمالها واستثمارها والملاحة فيها.
وكذلك المدارس والجامعات فإنّه وإن جاز للأفراد إنشاؤها فإنّ من واجب الدولة أن تنشئ مدارس وجامعات مجّانية للرعيّة، لأنّها من مسؤوليّات الدولة، سواء أنشأت هي مبانيها ومنشآتها ووظّفت هي الهيئات الإدارية والتعليمية، أو استأجرت هي شركات خاصّة لإنشائها وتوظيف موظّفيها ومدرّسيها، على أن يتعلّم فيها طلّاب الرعيّة مجّانا. ولكنّها لا تمنع إنشاء مدارس وجامعات خاصّة إلى جانب هذا التعليم المجّاني لمن يرغب في التعلّم فيها. والحكم نفسه يقال في شأن الطبابة والاستشفاء.
وكذلك لا يجوز أن توكِل الدولة حفظ الأمن لشركات خاصّة تتقاضى أجرها من الرعيّة مباشرة.
وبالعموم لا يجوز مطلقا منح استثمارات دائمية للشركات الأجنبية، حتّى في ما هو من مِلكية الدولة، لأنّ في هذا إضرارا باقتصاد الأمّة وهدرا لمالها إلى خارجها، وفتحا لباب تحكّم دول الكفر بمصالح المسلمين الحيوية. فإن أرادت الدولة منح استثمارات من مِلكيّاتها، وليس من المِلكية العامّة، منحتها لأفراد وشركات من رعاياها.
ومن أراد أن يتوسّع في الموضوع ننصحه بقراءة كتاب "النظام الاقتصادي في الإسلام" للشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله، وكتاب "الأموال في دولة الخلافة" للشيخ عبد القديم زلّوم رحمه الله، وكتاب "السياسة الاقتصادية المثلى" لعبد الرحمن المالكي رحمه الله. كما بالإمكان الرجوع إلى سلسلة الحلقات المصورة التي أنتجتها قناة الواقية والتي تشرفتُ بتقديمها بمعية الأستاذ أسامة الثويني تحت عنوان: "السياسة الاقتصادية في دولة الخلافة".
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أحمد القصص
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير