الخميس، 29 محرّم 1447هـ| 2025/07/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الاتفاق التجاري: تجلٍّ لتبعية إندونيسيا الاقتصادية للولايات المتحدة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الاتفاق التجاري: تجلٍّ لتبعية إندونيسيا الاقتصادية للولايات المتحدة

 

 

الخبر:

 

أعلن رئيس أمريكا ترامب عن اتفاق تجاري مع إندونيسيا، تم فيه تخفيض الرسوم الجمركية على السلع الإندونيسية من 32٪ إلى 19٪ بعد أن كانت مهددة بالارتفاع. وفي المقابل، التزمت إندونيسيا بشراء طاقة أمريكية بقيمة 15 مليار دولار، ومنتجات زراعية بقيمة 4.5 مليار دولار، بالإضافة إلى 50 طائرة بوينغ، بما في ذلك طائرات من طراز 777. وصرّح ترامب أن أمريكا ستحصل على وصول كامل إلى السوق الإندونيسي دون دفع رسوم. تم إبرام الصفقة بعد محادثات مع الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، إلا أن موعد بدء تنفيذ خفض الرسوم والشراء لم يُحدد بعد. وبلغ حجم التجارة بين إندونيسيا وأمريكا نحو 40 مليار دولار في عام 2024، مع عجز تجاري أمريكي بلغ حوالي 18 مليار دولار. وتأتي هذه الصفقة في إطار جهود ترامب لعقد اتفاقيات تجارية مماثلة مع دول مثل بريطانيا وفيتنام والصين، مع استمرار المفاوضات مع الهند والاتحاد الأوروبي، وذلك لمعالجة ما يعتبره ممارسات تجارية غير عادلة تضر بالمصالح الأمريكية. (الجارديان)

 

التعليق:

 

إن التطور الأخير في العلاقات التجارية بين إندونيسيا وأمريكا، والذي رحبت به إندونيسيا باعتباره نجاحا دبلوماسيا بسبب خفض الرسوم الجمركية الأمريكية من 32٪ إلى 19٪، يسلط الضوء على ضعف هيكلي أعمق في الدبلوماسية الدولية الإندونيسية. إن هذا النجاح المزعوم يتلاشى أمام حقيقة أن أمريكا حصلت على تنازلات كبيرة؛ دخول كامل وخالٍ من الرسوم الجمركية إلى السوق الإندونيسي، وإجبار إندونيسيا على شراء 50 طائرة بوينغ، وصفقات بمليارات الدولارات لشراء منتجات الطاقة والزراعة الأمريكية. وفي جوهره، لا تدخل إندونيسيا في مفاوضات متكافئة ذات سيادة، بل تُجبَر على الامتثال تحت الضغط.

 

هذه الديناميكية ليست جديدة. فمنذ (استقلال) إندونيسيا، لعبت الولايات المتحدة دوراً كبيراً في تشكيل التوجه السياسي والاقتصادي لها. ومن خلال أدوات مثل الديون الخارجية والاعتماد على المانحين، تمكنت أمريكا من التغلغل في عمليات صنع القرار في إندونيسيا، مؤثرةً على كل شيء؛ من تحرير الاقتصاد إلى نمط الحكم السياسي. لقد تم استغلال الثروات الطبيعية لإندونيسيا - من النفط والغاز إلى النحاس والذهب - منذ فترة طويلة بموجب اتفاقيات تفضل بشكل غير متوازن الشركات الأجنبية، خصوصاً تلك المرتبطة بالمصالح الأمريكية.

 

وما يدعو للأسف بشكل خاص هو النبرة الاحتفالية من المسؤولين الإندونيسيين تجاه ما هو في الحقيقة إكراه اقتصادي! فبدلاً من الطعن في طبيعة الاتفاق غير المتكافئة أو الدفاع عن حق البلاد في حماية صناعاتها الوطنية وسيادتها الاقتصادية، اختارت الحكومة أن تقدم الاتفاق باعتباره نجاحا. ويعكس ذلك نمطاً أوسع في الدول ذات الأغلبية المسلمة، حيث تستمر التبعية لما بعد الاستعمار وغياب الاستقلال السياسي الحقيقي في إعاقة الجهود الرامية إلى بناء اقتصادات قوية ومكتفية ذاتياً.

 

وعلى نطاق أوسع، فإن هذه الحادثة تسلط الضوء على الهشاشة الجيوسياسية للبلاد الإسلامية. فرغم امتلاكها موارد طبيعية وبشرية ضخمة، تبقى منقسمة ضعيفة وعاجزة عن فرض نفسها على الساحة العالمية. هذا الضعف ليس اقتصادياً فحسب، بل سياسي ومبدئي أيضاً. وهو ما يفسر العجز المستمر للدول ذات الأغلبية المسلمة عن حماية شعوبها، فضلاً عن إظهار تضامن حقيقي مع إخوانهم المضطهدين، مثل الفلسطينيين.

 

ما لم تطور البلاد الإسلامية أنظمة سياسية تُعلي من السيادة والوحدة والاعتماد على الذات بدلاً من الخضوع للقوى الأجنبية والمؤسسات النيوليبرالية، فستظل مجرد أدوات بيد القوى العالمية. إن الاستقلال الحقيقي يتطلب أكثر من مجرد خفض الرسوم الجمركية، فهو يتطلب الشجاعة لمواجهة الاستغلال الاقتصادي وبناء نظام يخدم الشعب لا المصالح الخارجية.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الله أسوار

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع