السبت، 15 صَفر 1447هـ| 2025/08/09م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
التحكم الرقمي هو الخطوة التالية نحو الاستبداد

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

التحكم الرقمي هو الخطوة التالية نحو الاستبداد

 

 

الخبر:

 

اعتباراً من آب/أغسطس 2025، تم فرض احتكار حكومي على حركة الإنترنت الدولية في قرغيزستان، حيث تم نقل السيطرة إلى شركة إلكات الحكومية.

 

التعليق:

 

لقد تم تبرير هذه الخطوة رسمياً بالحاجة إلى ضمان الأمن القومي، والسيادة الرقمية، ومكافحة المحتوى الضار. ولكن خلف هذه المبررات الشكلية تكمن دوافع سياسية أعمق تشير إلى تحوّل استبدادي متصاعد في البلاد. إن احتكار الإنترنت ليس مجرد قرار تقني، بل هو عنصر رئيسي في فرض السيطرة على الفضاء المعلوماتي قبيل الانتخابات المقررة في 2026-2027.

 

إن منح الحقوق الحصرية لشركة حكومية واحدة يعني القضاء على المنافسة، وتركيز حركة البيانات، وإنشاء بيئة للسيطرة التامة على تدفق المعلومات. فكل حركة الإنترنت الصادرة والواردة ستمر الآن عبر بوابة حكومية واحدة، ما يمنح السلطة القدرة على مراقبة وتصفية وإبطاء، بل وحجب الوصول إلى المواقع التي تعتبرها "غير مرغوب فيها". وتحت ذريعة محاربة الإباحية، والتهديدات السيبرانية، والدعاية الهدامة، تحصل الدولة فعلياً على أدوات تقنية للرقابة السياسية وقمع وجهات النظر المعارضة.

 

وما يثير القلق بشكل خاص هو أن هذا الإجراء قد يستهدف ليس فقط المعارضة العلمانية، بل النشاط الإسلامي السياسي والاجتماعي كذلك. ففي الوقت الذي تم فيه تفكيك أشكال المعارضة التقليدية - عبر الضغط على وسائل الإعلام، وحظر التظاهرات، وتدمير المنظمات المدنية - تبقى البيئة الفكرية الإسلامية من بين المنصات القليلة التي توجه نقدا حقيقيا للسلطة وللنظام الرأسمالي برمّته. وتشكّل الجماعات الإسلامية، والمبادرات التعليمية، والقنوات الدينية على مواقع التواصل بديلاً ليس فقط سياسياً، بل مبدئيا أيضاً، حيث تساهم في تشكيل الرأي العام. وهذا يمثل تهديداً للنظام الاستبدادي، الذي لا يقدر على المنافسة حتى على مستوى النظرة للحياة.

 

إن احتكار الإنترنت يُمكّن من عزل هذا البديل الإسلامي تقنياً. فبإمكان الدولة حجب الموارد التي لا تمر عبر آليات التصفية، مثل المقالات السياسية، والمحاضرات الإسلامية، والدروس المرئية، والمدونات، والمنصات التثقيفية غير المعتمدة من السلطة. وتحت شعار محاربة التطرف، قد تغلق قنوات لا تشكّل أي تهديد، لكنها تقدم نموذجاً غير الذي يمارسه العلمانيون للحياة المجتمعية. وهذا ليس حماية من التطرف، بل هو قمع للمجال الفكري.

 

ولا يمكن إغفال السياق الانتخابي كذلك، إذ تشعر السلطة بانعدام الاستقرار، وبفقدان الاتصال الشرعي مع الشعب، وبانعدام الثقة، فتفضّل الإدارة السيطرة والإجبار، بدلاً من الحوار السياسي. ويسمح احتكار الإنترنت، في اللحظة الحرجة، بإبطاء أو حتى قطع الاتصال، وحجب قنوات التلغرام، وحذف الرسائل غير المرغوبة، وتقييد نشر مقاطع الفيديو والبث المباشر. إنها في الواقع تهيئ نحو عزل الناس رقمياً في لحظة مصيرية من الحياة العامة، وكل ذلك من دون الحاجة لتبريرات، عبر السيطرة على البنية التحتية، وليس من خلال المسارات القانونية.

 

إن عواقب هذه الخطوة واضحة؛ حيث ستفقد قرغيزستان ما تبقّى من حريتها الرقمية، التي كانت تميّزها في المنطقة. وسيزداد هروب الشباب والمتخصصين في التقنية، المعتادين على الإنترنت المفتوح وحرية الوصول. وستضعف الثقة المجتمعية، ويشتد فقدان الثقة في المؤسسات. والأخطر من ذلك، أن السلطة ستُحكم قبضتها، حيث يصبح التعبير المخالف أمراً مستحيلاً تقنياً، وتغدو السلطة في النهاية غير خاضعة لأي مساءلة.

 

إن احتكار الإنترنت ليس إصلاحاً اقتصادياً، بل هو حدود سياسية فاصلة، يكمن وراءها استبداد رقمي، حيث تُستبدل الأفكار والكلمات البديلة بـ"الاستقرار". وإذا لم يُدرك المجتمع ذلك اليوم، فغداً قد يصبح الوصول إلى المعلومات والأخبار مستحيلا مثلما كانت خلف الأقفال.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

لطيف الراسخ

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع