الإثنين، 10 رمضان 1446هـ| 2025/03/10م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح244) لجميع أفراد الرعية الحق في إنشاء المختبرات العلمية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

(ح244) لجميع أفراد الرعية الحق في إنشاء المختبرات العلمية

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ والأَربَعِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ الحَقُّ فِي إِنْشَاءِ المُخْتَبَرَاتِ العِلْمِيَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ التَّاسِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 162: لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ الحَقُّ فِي إِنْشَاءِ الـمُخْتَبَرَاتِ العِلْمِيَّةِ المُتَعَلِقَّةِ بِكَافَّةِ شُؤُونِ الحَيَاةِ، وَعَلَى الدَّولَةِ أَنْ تَقُومَ هِيَ بِإِنْشَاءِ هَذِهِ المُخْتَبَرَاتِ.

 

المادة 163: يُمْنَعُ الأَفَرادُ مِنْ مِلْكِيَّةِ المُخْتَبَرَاتِ الَّتِي تُنتِجُ مَوَادَّ تُؤَدِّي مِلْكِيَّتُهُمْ لَهَا إِلَى ضَرَرٍ عَلَى الأُمَّةِ، أَوْ عَلَى الدَّولَةِ.

 

المادة 164: تُوَفِّرُ الدَّولَةُ جَمِيعَ الخِدْمَاتِ الصَّحِيَّةِ مَجَّاناً لِلْجَمِيعِ، وَلَكِنَّهَا لَا تَمْنَعُ استِئْجَارَ الأَطِبَّاءِ، وَلَا بَيعَ الأَدْوِيَةِ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ المَوَادُّ: الثَّانِيَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ المِائَةِ، وَالثَّالِثَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ المِائَةِ، وَالرَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَوَادِّ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

أولا: المادة 162: إِنَّ المُخْتَبَرَاتِ العِلْمِيَّةَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ كَونِهَا عِلْماً يَتَعَلَّمُهُ الإِنْسَانُ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ أَبَاحَ العِلْمَ إِبَاحَةً مُطْلَقَةً، قَالَ تَعَالَى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ). (العَلَقُ 1)، وَقَالَ: (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). (العَلَقُ 5)، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ)، وَرَوَى البُخَارِيُّ تَعْلِيقاً بِصِيغَةِ الجَزْمِ: «وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ» وَقَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ: «وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ» هُوَ حَدِيثٌ مَرفُوعٌ أَيضاً.

 

244

 

فَهَذِهِ الأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ العِلْمِ مِنْ حَيثُ هُوَ عِلْمٌ. فَقَولُهُ: (اقْرَأْ) عَامٌّ يَشْمَل ُأَنْ يَقْرَأ َكُلَّ شَيءٍ، وَقَولُهُ: (عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). يَشْمَلُ كُلَّ عِلْمٍ، وَقَولُ الرَّسُولِ: «إِنَّمَا العِلْمُ» اسْمُ جِنْسٍ مُحَلَّى بِالأَلِفِ وَاللَّامِ فَهُوَ مِنْ أَلْفَاظِ العُمُومِ. وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ التَّعَلُّمِ لِأَيِّ شَيءٍ، وَإِبَاحَةِ أَيِّ عِلْمٍ. فَعُمُومُ الأَدِلَّةِ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ العِلْمِ مُطْلَقاً. وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ أَنْ يَطْلُبَ العِلْمَ أَيَّ عِلْمٍ، وَأَنْ يَتَّخِذَ الوَسَائِلَ اللَّازِمَةَ لِلوُصُولِ إِلَى المَعَارِفِ وَالحَقَائِقِ العِلْمِيَّةِ، فَلِكُلِّ فَرْدٍ أَنْ يَقُومَ بِإِنْشَاءِ المُخْتَبَرِ الَّذِي يَرَاهُ، وَأَنْ يُسَاعِدَ مِنْ يَشَاءُ فِي إِنْشَاءِ المُخْتَبَرَاتِ.

 

وَهَذِهِ المُخْتَبَرَاتِ مِلْكِيَّةٌ فَرْدِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ هِيَ مِلْكِيَّةً عَامَّةً، وَلَا مِلْكِيَّةَ الدَّولَةِ. إِلَّا أَنَّ هَذِهِ المِلْكِيَّةَ الفَرْدِيَّةَ يَجُوزُ لِلدَّولَةِ أَنْ تَمْلِكَهَا بِوَصْفِهَا شَخْصِيَّةً مَعْنَوِيَّةً كَمَا تَمْلِكُهَا أَيَّةُ شَخْصِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ، أَيْ كَمَا يَمْلِكُهَا أَيُّ فَرْدٍ. وَمِلْكِيَّتُهَا لَهَا لَا تَجْعَلُهَا مِلْكِيَّةَ دَولَةٍ، بَلْ تَظَلُّ مِلْكِيَّةً فَرْدِيَّةً. إِلَّا أَنَّ مَا تَمْلِكُهُ الدَّولَةُ يُصْبِحُ مِلْكِيَّةً لَهَا مِنْ أَمْلَاكِهَا مَعَ كَونِهِ مِلْكِيَّةً فَرْدِيَّةً. وَالدَّولَةُ حِينَ تَقُومُ بِإِنْشَاءِ المُخْتَبَرَاتِ إِنَّمَا تَقُومُ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ رِعَايَةِ الشُّؤُونِ، وَمِنْ بَابِ القِيَامِ بِالفَرْضِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَيهَا، وَهُوَ إِيجَادُ العِلْمِ، وَمِنهُ المُخْتَبَرَاتُ العِلْمِيَّةُ.

 

ثانيا: المادة 163: دَلِيلُهَا القَاعِدَةُ الشَّرعِيَّةُ: (الشَّيءُ المُبَاحُ إِذَا كَانَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ يُؤَدِّيْ إِلَى ضَرَرٍ يُمْنَعُ ذَلِكَ الفَرْدُ، وَيَبْقَى الشَّيءُ مُبَاحاً) وَالمُخْتَبَرَاتُ الَّتِي تُؤَدِّي مِلْكِيَّةُ الأَفْرَادِ لَهَا إِلَى ضَرَرٍ تُمْنَعُ فِيهَا المِلْكِيَّةُ الفَردِيَّةُ، مِثْلُ مُخَتَبَرَاتِ الذَّرَّةِ وَغَيرِهَا مِمَّا يُؤَدِّيْ مِلْكِيَّةُ الأَفْرَادِ لَهُ إِلَى ضَرَرٍ.

 

ثالثا: المادة 164: إِنَّ الطِّبَّ مِنَ المَصَالِحِ وَالمَرَافِقِ الَّتِي لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا النَّاسُ، فَهِيَ مِنَ الضَّرُورَاتِ. وَقَدْ أَمَرَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِالتَّدَاوِي: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنَ شُرَيكٍ). وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فِي المُعْجَمِ الكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ شُرَيكٍ كَذَلِكَ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ فَسَأَلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً». وَعِنْدَ التِّرمِذِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شُرَيكٍ، بِلَفْظِ: «قَالَتْ الأَعْرَابُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ قَالَ دَوَاءً إِلا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ». (قَالَ التِّرمِذِيُّ: "وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ). وَالـهَرَمُ- بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالرَّاءِ- هُوَ ضَعْفُ الْكِبَرِ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ المَوتُ وَالهَلَاكُ، أَيْ أَنَّ المَوْتَ لَا دَوَاءَ لَهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ التَّدَاوِي. وَبِالتَّدَاوِي جَلْبُ مَنْفَعَةٍ، وَدَفْعُ مَضَرَّةٍ فَهُوَ مَصْلَحَةٌ، عَلَاوَةً عَلَى أَنَّ العِيَادَاتِ وَالمُسْتَشْفَيَاتِ مَرَافِقُ يَرتَفِقُ بِهَا المُسْلِمُونَ فِي الاستِشْفَاءِ وَالتَّدَاوِي، فَصَارَ الطِّبُّ مِنْ حَيثُ هُوَ مِنَ المَصَالِـحِ وَالمَرَافِقِ. وَالمَصَالِـحُ وَالمَرَافِقُ يَجِبُ عَلَى الدَّولَةِ أَنْ تَقُومَ بِهَا لِأَنَّهَا مِمَّا يَجِبُ عَلَيهَا رِعَايَتَهُ عَمَلاً بِقَولِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». (أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ). وَهَذَا مِنْ مَسئُولِيَّةِ الرِّعَايَةِ؛ وَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الدَّولَةِ تَوفِيرُهُ لِلنَّاسِ. وَمِنَ الأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ: أَخْرَجَ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرَ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيباً، فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقاً ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ». وَأَخْرَجَ الحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "مَرِضْتُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ مَرَضاً شَدِيداً، فَدَعَا لِي عُمَرُ طَبِيباً فَحَمَّانِي حَتَّى كُنْتُ أَمُصُّ النَّوَاةَ مِنْ شِدَّةِ الحِمْيَةِ".

 

وَعَلَيهِ وَجَبَ عَلَى الدَّولَةِ أَنْ تُوَفِّرَ التَّدَاوِي وَالاسْتِشْفَاءَ (الطِّبَّ) مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ مِنَ النَّفَقَاتِ الوَاجبَةِ عَلَى بَيتِ المَالِ عَلَى وَجْهِ المَصْلَحَةِ وَالإِرْفَاقِ دُونَ بَدَلٍ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ عَلَيهَا أَنْ تُوَفِّرَ جَمِيعَ الخِدْمَاتِ الصِّحِّيَّةِ دُونَ بَدَلٍ. وَهَذَا هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الطِّبَّ مِمَّا يَجِبُ أَنْ تُوَّفِرَهُ الدَّولَةُ لِلنَّاسِ بِالمَجَّانِ.

 

وَأَمَّا جَوَازُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ الطَّبِيبُ وَتُدْفَعَ لَهُ أُجْرَةٌ، فَلِأَنَّ المُدَاوَاةَ مُبَاحَةٌ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الحَدِيثِ السَّابِقِ: «يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا». وَلِأَنَّهَا أَيِ المُدَاوَاةُ مَنْفَعَةٌ يُمْكِنُ لِلْمُسْتَأْجَرِ اسْتِيفَاؤُهَا فَيَنْطَبِقُ عَلَيهَا تَعْرِيفُ الإِجَارَةِ، وَلَمْ يَرِدْ نَهْيٌ عَنْهَا، وَفَوقَ ذَلِكَ فَقَدِ «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ».(أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ رضي الله عنه)، وَالمُرَادُ بِمَوَالِيهِ سَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكاً لِجَمَاعَةٍ، كَمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَةً، وَلَوْ كَانَ سُحْتاً لَمْ يُعْطِهِ». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ نَحْوَهُ بِأَلْفَاظٍ مُختَلِفَةٍ).

 

وَقَدْ كَانَتِ الحِجَامَةُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مِنَ الأَدْوِيَةِ الَّتِي يُتَطَبَّبُ بِهَا، فَدَلَّ أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَيهَا عَلَى جَوَازِ تَأْجِيرِ الطَّبِيبِ. وَمِثْلُ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ بَيعُ الأَدْوِيَةِ؛ لِأَنَّهَا شَيءٌ مُبَاحٌ يَشْمَلُهُ عُمُومُ قَولِهِ تَعَالَى: (وَأَحَلَّ اللهُ البَيعَ). (البَقَرَة 275) وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِتَحْرِيمِه.

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع