- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي"
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة الثانية والعشرون: التشريع حق لله تبارك وتعالى وحده
ومفهوم التشريع، لمن الحق في التشريع، أي من هو الحاكم، من أول وأهم مباحث أصول الفقه، أي من أهم الأبحاث المتعلقة بالحكم، وأولاها، وألزمها بياناً، معرفة من الذي يرجع له إصدار الحكم، أي من هو الحاكم؛ لأن على معرفته تتوقف معرفة الحكم ونوعه. وليس المراد بالحاكم هنا صاحب السلطان المنفذ لكل شيء بما له من سلطان، بل المراد بالحاكم من يملك إصدار الحكم على الأفعال، وعلى الأشياء؛ لأن ما في الوجود من المحسوسات لا يخرج عن كونه أفعالاً للإنسان، أو أشياء غير أفعال الإنسان؛ ولما كان الإنسان، بوصفه يحيا في هذا الكون، هو موضع البحث، وكان إصدار الحكم إنما هو من أجله، ومتعلق به، فإنه لا بد من الحكم على أفعال الإنسان، وعلى الأشياء المتعلقة بها. فمن هو الذي له وحده أن يصدر الحكم على ذلك؟ هل هو الله، أم الإنسان نفسه؟ وبعبارة أخرى، هل هو الشرع، أم العقل؟ لأن الذي يعرفنا أن هذا هو حكم الله هو الشرع، والذي يجعل الإنسان يحكم هو العقل. فمن الذي يحكم، هل هو الشرع، أم العقل؟ أو قد يكون العقل، والشرعُ دليل عليه، أو الشرع، والعقلُ دليل عليه. [2].
وهذا غير بحث أكل لحم الخنزير، وغير بحث سرقة التفاح، وعصر الخمر ومجالسة شاربها، فهذه الأخيرة كلها أفعال تعلقت بالأشياء، فلها أحكامها، وهو بحث حكم الأفعال، فالبصل مباح، وأكله قبل الذهاب للمسجد مكروه، والتفاح مباح، وسرقته حرام، وشراء التفاح المسروق حرام!
وهناك بحث عموم الأفعال، مثل مطلق السمع، ومطلق النظر، ومطلق المشي، ومطلق الجلوس، وبحث الأفعالِ الجِبِلَّيَّةِ، أي الأفعال التي جُبل الإنسان عليها، مثل أن يغمز الرجل وهو يتحدث، أو أن تكون طبيعة مشيه أنه يمشي مشيا سريعا، وهذه كلها تدخل تحت بحث عموم الأدلة، وحكمها في الشرع الإباحة[4]، وغاية الحكم ضبط سلوك الإنسان لتحقيق رضا الله تعالى بالتزام أوامره، وفقا لمفهوم مستنبط شرعا عن الفعل أو عن الشيء!
ولكن قبل أن نصل لبحث حكم الأفعال، وحكم الأشياء، وحكم عموم الأفعال، وحكم الأفعال الجبلية، فإننا يحب أن نبحث فيمن يحق له أن يصدر الحكم على الأفعال والأشياء ابتداء!
[2] أما بالنسبة للأشياء، وهي متعلقات الأفعال، فإن الأصـل فيها الإباحة ما لم يرد دليل التحريم، فالأصل في الشيء أن يكون مباحاً، ولا يحرم إلا إذا ورد دليل شرعي على تحريمه؛ وذلك لأن النصوص الشرعية قد أباحت جميع الأشياء، وجاءت هذه النصوص عامة تشمل كل شـيء، قـال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ﴾ الحج 65. ومعـنى تسخير الله للإنسان جميع ما في الأرض هو إباحته لكل ما في الأرض. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ البقرة 168، وقــال: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ﴾ الأعراف 31 وقـال: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ الملك 15. وهكذا جميع الآيات التي جاءت في إباحة الأشياء جاءت عامة، فعمومها دل على إباحة جميع الأشياء، فتكون إباحة جميع الأشياء جاءت بخطاب الشارع العام. فدليل إباحتها النصوص الشرعية التي جاءت بإباحة كل شيء. فإذا حرم شيء فلا بد من نص مخصص لهذا العموم، يدل على استثناء هذا الشيء من عموم الإباحة؛ ومن هنا كان الأصل في الأشياء الإباحة. ولذلك نجد الشرع، حين حرم أشياء، قد نص على هذه الأشياء بعـيـنـها، استثناء من عموم النص، فقال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ المائدة 3، ﴿وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ 119 الأنعام (الشخصية الإسلامية الجزء الثالث، فصل: لا حكم قبل ورود الشرع.)
[4] الواضح في أصول الفقه، محمد حسين عبد الله ص 219