- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح192) صلاحيات مجلس الأمة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالتِّسْعِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "صَلَاحِيَّاتُ مَجلِسِ الأُمَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 111: لِمَجْلِسِ الأُمَّةِ صَلَاحِيًّاتٌ خَمْسٌ هِيَ:
1- (أ): استِشَارَةُ الخَلِيفَةِ لَهُ, وَإِشَارَتُهُ عَلَى الخَلِيفَةِ فِي الأَعْمَالِ وَالأُمُورِ العَمَلِيَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بِرِعَايَةِ الشُّؤُونِ فِي السِّيَاسَةِ الدَّاخِلِيَّةِ مِمَّا لَا تَحْتَاجُ إِلَى بَحْثٍ فِكْرِيٍّ عَمِيقٍ, وَإِنْعَامِ نَظَرٍ مِثْلُ شُؤُونِ الحُكْمِ، وَالتَّعلِيمِ، وَالصِّحَّةِ، وَالاقتِصَادِ، وَالتِّجَارَةِ، وَالصِّنَاعَةِ، وَالزِّرَاعَةِ، وَأَمْثَالِهَا، وَيَكُونُ رَأْيُهُ فِيهَا مُلْزِما.
(ب): أَمَّا الأُمُورُ الفِكْرِيَّةُ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى بَحْثٍ عَمِيقٍ وَإِنْعَامِ نَظَرٍ، وَالأُمُورُ الَّتِي تَحْتَاجُ خِبْرَةً وَدِرَايَةٍ، وَالأُمُورُ الفَنِّيَّةُ وَالعِلْمِيَّةُ، وَكَذَلِكَ المَالِيَّةُ وَالجَيشُ وَالسِيَاسَةُ الخَارِجِيَّةُ، فَإِنَّ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَرْجِعَ لِلْمَجْلِسِ لِاستِشَارَتِهِ فِيهَا, وَالوُقُوفِ عَلَى رَأْيِهِ، وَرَأْيُ المَجْلِسِ فِيهَا غَيرُ مُلْزِمٍ.
2-لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُحِيلَ لِلْمَجْلِسِ الأَحْكَامَ وَالقَوَانِينَ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَتَبَنَّاهَا، وَلِلْمُسلِمِينَ مِنْ أَعْضَائِهِ حَقُّ مُنَاقَشَتِهَا, وَبَيَانِ وَجْهِ الصَّوَابِ وَالخَطَأِ فِيهَا, فَإِنِ اخْتَلَفُوا مَعَ الخَلِيفَةِ فِي طَرِيقِةِ التَّبَنِّي مِنَ الأُصُولِ الشَّرعِيَّةِ المُتَبَنَّاةِ فِي الدَّولَةِ، فَإِنَّ الفَصْلَ يَرجِعُ إِلَى مَحْكَمَةِ المَظَالِمِ، وَرَأْيُ المَحْكَمَةِ فِي ذَلِكَ مُلْزِمٌ.
3-لِلْمَجْلِسِ الحَقُّ فِي مُحَاسَبَةِ الخَلِيفَةِ عَلَى جَمِيعِ الأَعْمَالِ الَّتِي تَحْصُلُ بِالفِعْلِ فِي الدَّولَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنَ الأُمُورِ الدَّاخِلِيَّةِ أَمِ الخَارِجِيَّةِ أَمِ المَالِيَّةِ أَمِ الجَيشِ أَمْ غَيرِهَا، وَرَأْيُ المَجْلِسِ مُلْزِمٌ فِيمَا كَانَ رَأْيُ الأَكْثَرِيَّةِ فِيهِ مُلْزِماً، وَغَيرُ مُلْزِمٍ فِيمَا كَانَ رَأْيُ الأَكْثَرِيَّةِ فِيهِ غَيرَ مُلْزِمٍ. وَإِنِ اخْتَلَفَ المَجْلِسُ مَعَ الخَلِيفَةِ عَلَى عَمَلٍ قَدْ تَمَّ بِالفِعْلِ مِنَ النَّاحِيَةِ الشَّرعِيَّةِ, فَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مَحْكَمَةِ المَظَالِمِ لِلبَتِّ فِيهِ مِنْ حَيثُ الشَّرْعِيَّةُ وَعَدَمُهَا، وَرَأْيُ المَحْكَمَةِ فِيهِ مُلْزِمٌ.
4-لَلْمَجْلِسِ الحَقُّ فِي إِظْهَارِ عَدَمِ الرِّضَا مِنَ المُعَاوِنِينَ وَالوُلَاةِ وَالعُمَّالِ, وَيَكُونُ رَأْيُهُ فِي ذَلِكَ مُلْزِماً، وَعَلَى الخَلِيفَةِ عَزْلُهُمْ فِي الحَالِ. وَإِذَا تَعَارضَ رَأْيُ مَجْلِسِ الأُمَّةِ مَعَ رَأْيِ مَجْلِسِ الوِلَايَةِ المَعْنِيَّةِ فِي الرِّضَا أَوِ الشَّكْوَى مِنَ الوُلَاةِ وَالعُمَّالِ فَإِنَّ لِرَأْيِ مَجْلِسِ الوِلَايَةِ الأَوْلَوِيَّةَ فِي ذَلِكَ.
5-لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَعْضَائِهِ حَقُّ حَصْرِ المُرَشَّحِينَ لِلخِلَافَةِ مِنَ الَّذِينَ قَرَّرَتْ مَحْكَمَةُ المَظَالِمِ تَوَفُّرَ شُرُوطِ الانعِقَادِ فِيهِمْ, وَرَأْيُ أَكْثَرِيَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ مُلْزِمٌ، فَلَا يَصِحُّ الانتِخَابُ إِلَّا مِنَ الَّذِينَ حَصَرَهُمُ المَجْلِسُ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذِهِ هِيَ المَادَّةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
هَذِهِ المَادَّةُ تُبَيِّنُ صَلَاحِيَّاتِ مَجْلِسِ الأُمَّةِ. وَأَدِلَّةُ هَذِهِ الصَّلَاحِيَّاتُ عَلَى النَّحْوِ الآتِي:
البَنْدُ الأَوَّلُ: أ - أَمَّا دَلِيلُ كَونِ رَأْيِ مَجْلِسِ الأُمَّةِ فِي الأَعْمَالِ وَالأُمُورِ العَمَلِيَّةِ، مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إِلَى بَحْثٍ وَإِنْعَامِ نَظَرٍ مُلْزِماً، فَذَلِكَ: أَخْذاً مِنْ نُزُولِ رَسُولِ اللهِ r عَلَى رَأْيِ الأَكْثَرِيَّةِ فِي الخُرُوجِ مِنَ المَدِينَةِ لِمُلَاقَاةِ جَيشِ المُشْرِكِينَ فِي مَعْرَكَةِ أُحُدٍ، مَعَ أَنَّ رَأْيَهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ, وَرَأْيَ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، كَانَ البَقَاءَ فِي المَدِينَةِ، وَعَدَمَ الخُرُوجِ مِنهَا، وَأَخْذاً مِنْ قَولِهِ r لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنه: «لَوِ اجْتَمَعْتُمَا فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْتُكُمَا». (رواه أحمد)، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الأُمُورَ العَمَلِيَّةَ المُتَعَلِّقَةَ بِالرَّأْيِ الـمُؤَدِّي إِلَى عَمَلٍ، مِنْ حَيثُ تَوفِيرُ الخِدْمَاتِ لِلرَّعِيَّةِ لاطْمِئْنَانِهِمْ فِي عَيشِهِمْ، وَمِنْ حَيثُ حِفْظُ أَمْنِهِمْ, وَتَحصِينُ مُدُنِهِمْ, وَدَفْعُ الخَطَرِ عَنْهُمْ، كُلُّ هَذِهِ يَكُونُ رَأْيُ الأَكْثَرِيَّةِ فِي المَجْلِسِ مُلْزِماً لِلْخَلِيفَةِ حَتَّى وَإِنْ خَالَفَ رَغْبَتَهُ، كَمَا حَدَثَ مَعَ الرَّسُولِ r فِي الخُرُوجِ إِلَى أُحُدٍ نُزُولاً عِندَ رَأْيِ الأَكْثَرِيَّةِ.
البند الأول: ب - إِنَّ الأَصْلَ فِيهِ أَنْ يَأْخُذَ الخَلِيفَةُ رَأْيَ العُلَمَاءِ، وَأَرْبَابَ الخِبْرَةِ، وَأَهْلَ الاختِصَاصِ، فِيمَا اشْتَمَلَ عَلَيهِ هَذَا القِسْمُ مِنْ أُمُورٍ، كَمَا حَصَلَ حِينَ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ r بِرَأْيِ الحُبَابِ بْنِ المُنْذِرِ فِي اخْتِيَارِ مَوقِعِ مَعْرَكَةِ بَدْرٍ، جَاءَ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ: «إِنَّهُ r، حِينَ نَزَلَ عِنْدَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ، لَمْ يَرْضَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بِهَذَا الْمَنْزِلِ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ r: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلاً أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ وَلاَ نَتَأَخَّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلٍ، فَانْهَضْ بِالنَّاسِ حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنَ القَوْمِ فَنَنْزِلَهُ، ثُمَّ نُغَوِّرُ مَا وَرَاءَهُ مِنَ القُلُبِ، ثُمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضاً فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمَّ نُقَاتِلُ القَوْمَ فَنَشْرَبُ وَلاَ يَشْرَبُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ، فَنَهَضَ رَسُولُ اللهِ r وَمَنْ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ، فَسَارَ حَتَّى إِذَا أَتَى أَدْنَى مَاءٍ مِنَ القَوْمِ نَزَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْقُلُبِ فَغُوِّرَتْ، وَبَنَى حَوْضاً عَلَى القَلِيبِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ، فَمُلِئَ مَاءً، ثُمَّ قَذَفُوا فِيهِ الآنِيَةَ»، فَالرَّسُولُ r استَمَعَ إِلَى قَولِ الحُبَابِ وَتَبِعَ رَأْيَهُ. فَفِي هَذِهِ الحَادِثَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ قَبِيلِ الرَّأْيِ وَالحَرْبِ وَالـمَكِيدَةِ، لَـمْ تَكُنْ لِآرَاءِ النَّاسِ أَيَّةُ قِيمَةٍ فِي تَقْرِيرِهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ لِرَأْيِ الخَبِيرِ، وَمِثْلُهَا الأُمُورُ الفَنِّيَّةُ وَالفِكْرُ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى بَحْثٍ وَإِنْعَامِ نَظَرٍ. وَكَذَلِكَ التَّعْرِيفُ، فَإِنَّهُ يُرجَعُ فِيهَا لِأَرْبَابِ الخِبْرَةِ وَأَصْحَابِ الاختِصَاصِ، وَلَيسَ لِآرَاءِ النَّاسِ، إِذْ لَا قِيمَةَ فِيهَا لِلكَثْرَةِ، وَإِنَّمَا القِيمَةُ لِلْعِلْمِ وَالخِبْرَةِ وَالاختِصَاصِ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضاً الأُمُورُ المَالِيَّةُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَيَّنَ أَنْوَاعَ الأَمْوَالِ الَّتِي تُجْبَى، وَعَيَّنَ وُجُوهَ إِنْفَاقِهَا، كَمَا عَيَّنَ مَتَّى تُفْرَضَ الضَّرَائِبُ، وَعَلَى هَذَا لَا عِبْرَةَ بِرَأْيِ النَّاسِ فِي جِبَايَةِ الأَمْوَالِ وَلَا فِي صَرْفِهَا. وَكَذَلِكَ الجَيشُ، فَإِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ تَدْبِيرَ أُمُورِهِ لِلخَلِيفَةِ، وَعَـيَّنَ أَحْكَامَ الجِهَادِ، فَلَا عِبْرَةَ لِرَأْيِ النَّاسِ فِيمَا قَرَّرَهُ الشَّرْعُ. وَكَذَلِكَ الأَمْرُ بِالنِّسْبَةِ لِعَلَاقَةِ الدَّولَةِ بِغَيرِهَا مِنَ الدُّوَلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الفِكْرِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى بَحْثٍ وَإِنْعَامِ نَظَرٍ، وَلَهُ عَلَاقَةٌ بِالجِهَادِ، ثُمَّ هُوَ مِنْ نَوعِ الرَّأْيِ وَالحَرْبِ وَالمَكِيدَةِ؛ وَلِذَلِكَ لَا عِبْرَةَ لِرَأْيِ النَّاسِ فِيهِ كَثْرَةً وَقِلَّةً، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلخَلِيفَةِ أَن يَعْرِضَ هَذِهِ الأُمُورَ عَلَى مَجْلِسِ الأُمَّةِ لِاستِشَارَتِهِ فِيهَا، وَأَخْذِ رَأْيِهِ؛ لِأَنَّ العَرْضَ ذَاتَهُ مِنَ المُبَاحَاتِ، وَرَأْيُ المَجْلِسِ فِي هَذِهِ الأُمُورِ لَيسَ مُلْزِماً كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَادِثَةِ بَدْرٍ، وَإِنَّمَا القَرَارُ لِصَاحِبِ الصَّلَاحِيَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.