الأحد، 20 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الأمّة الوسط: ستخرج العالم من ظلمات الرّأسماليّة إلى نور الإسلام

حين تسترجع قيادتها له

 

من أجل أن يقام هذا الدّين وتؤدّى الأمانة اتّبع النّبيّ e- وبوحي من ربّه - طريقا واضحا حتّى يغيّر واقعا يتخبّط في الظّلمات ليصبح منيرا مشرقا تناقلت روعته الأخبار وسالت للكتابة عن تفرّده الأحبار!... لقد أرسى صلوات الله عليه قواعد شرعيّة سيّرت أهل قريش وغيّرت من أفكارهم وأحوالهم ونقلتهم من أهل جاهليّة إلى قادة للعالم يعلّمون النّاس الحياة وينشرون الخير بينهم... حوّلهم الإسلام من "أهل جاهليّة يعبدون الأصنام، ويأكلون الميتة، ويأتون الفواحش، ويقطعون الأرحام، ويسيئون الجوار، ويأكل القويّ منهم الضّعيف إلى توحيد الله وعبادته وخلعوا ما كانوا يعبدون هم وآباؤهم من دونه من الحجارة والأوثان، أمرهم بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهاهم عن الفواحش، وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات وأمرهم بالصّلاة والزّكاة والصّيام" (من خطبة جعفر بن أبي طالب أمام النّجاشيّ: بتصرّف) كانوا يعيشون في الظّلام فهلّ عليهم صلوات الله وسلامه عليه بنور الإسلام فصدّقوه واتّبعوه وأخذوا ما جاءهم به كاملا ولم ينكروا منه شيئا... لاقوا من العذاب والفتنة ما لاقوا حتّى يعودوا إلى عبادة الأوثان وترك عبادة الرّحمن... قُهروا وظُلموا وضُيّق عليهم ولم يبدّلوا تبديلا وثبتوا على دينهم. وكيف لمن رأى نور الحقّ وذاق حلاوته أن يرجع على أعقابه ليحيا في ظلام الباطل ويتجرّع مرارته؟!...

 

عمل النّبيّ eليجعل أمّته خير أمّة تقود العالم وتسوده... أدّى الأمانة وأشهد الله على ذلك «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ». تركها قويّة عتيدة تهابها الأمم وترك فيها كتاب الله وسنّة نبيّه وأوصاها بالتّمسّك بهما حتّى لا تضلّ فتعود إلى الظّلمات التي أخرجها منها «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ: كِتَابَ اللهِ وُسُنَّةَ نَبِيِّهِ».

 

لقد اصطفى سبحانه وتعالى أمّة الإسلام حتّى تكون أمّة وسطا تطبّق شرعه وتنشره في العالم فتخرجه من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإسلام وعدله ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ وخصّها بحمل الأمانة تدعو إلى الخير "الإسلام" وتقوم على تنفيذه ونشره.

 

لكن... بغياب دولة الإسلام التي كانت تحمي بيضته وتذود عن أحكامه وتنشره خَفَت هذا النّور فأُقصي الإسلامُ - النّظام الرّبّانيّ - عن تسيير حياة المسلمين وحلّت مكانه الحضارة الرّأسماليّة ففرضت مفاهيمها الفاسدة على المسلمين وأعادتهم إلى حياة الجهل والعيش الضّنك وعادت الأمّة ومعها البشريّة جمعاء إلى ظلمات أحكام البشر وقوانينهم الوضعيّة النّاقصة العاجزة. طغت اليوم مفاهيم علمانيّة فصلت الحياة عن الدّين وحوّلت المسلم إلى إنسان لا همّ له سوى هذه الحياة الزائفة الزّائلة وأنسته الحياة الباقية... نقلته من العيشة الرّاقية التي كان يعمل فيها ليرضي ربّه إلى عيشة يرضي فيها رغباته ويشبع بها حاجاته وغرائزه.

 

نهج الرّسول eطريقا واضحا لإخراج النّاس من الظّلمات إلى النّور. تبع خير منهج يمكن أن يغيّر وجه الحياة الكالح إلى وجه مشرق صبوح. منهج رباّنيّ كامل لا تشوبه شائبة قدّره الله ليهدي عباده إلى النّور ويعلّمهم معنى الحياة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾. واليوم ومنذ أن تخلّت أمّة الإسلام عن القيادة الفكريّة الإسلاميّة وفرض عليها النّظامُ الرّأسماليّ قيادتَه العلمانيّة تعيش هي والبشريّة عموما مآسي عديدة ويلفّ حياتها ظلام مرعب وصارت تتلهّف لبصيص نور يخرجها ممّا هي فيه... لذلك وحتّى تعود الأمّة الوسط وتستردّ مكانها الطبيعيّ الذي وضعها ربّها فيه: قائدة خيّرة عادلة هادية لباقي الأمم فعليها أن تسير على درب نبيّها فتخرج من الظّلمات التي لفّها بها النّظام الرّأسماليّ العفن وتعود لتحيا في ظلّ نور الإسلام وأحكامه الرّاقية الكفيلة بحلّ كلّ مشاكل الحياة وتقدّم المعالجات ويحيا المسلمون في رغد وينشرونه في العالم ليكشفوا عنه غمّة الظلام الدّامس الذي يحيا فيه.

 

من فضل الله على الأمّة الإسلاميّة، أنّ الرّسالة الخاتمة جاءت شاملة لكلّ ما يحتاجه المسلمون في حياتهم الدّينيّة والدّنيويّة، موجّهة لكلّ الثّقلين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فالهدف منها هو هداية الله للإنسان، دون قصر الدّعوة على جنس، أو مكان؛ فدعوة الرّسول eموجّهة إلى النّاس كافّة، قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ فعلى كلّ مسلم أن يؤدّي واجبه في الدّعوة إلى الله ولا يقتصر على نفسه فحسب بل عليه أن يعمل على هداية غيره إلى الله وهذا لا يكون إلّا تحت ظلّ دولة تحكم بالإسلام وتعمل على نشره وحمله للعالم كدأب سيّدنا وقدوتنا عليه الصّلاة والسّلام.

 

ولأنّ الشّباب هم روّاد التّغيير وهم الفئة التي يقع على كاهلها العبء الأكبر لإعادة مجد الأمّة وخيريّتها لتكون وسطا وتشهد على العالم بحملها له نور الله وهديه فهم أحوج ما يكونون لأن يعرفوا الطّريق الصّحيح وأن يفهموا أحكام دينهم حتّى يقوموا بالدّعوة إليه ويؤدّوا الأمانة على أفضل وجه... فضلا عن إخلاصهم فهؤلاء الشّباب قد وهبهم الله النّشاط والحماس وقد يستعجلون لقطف ثمار جهودهم وتذوّق طعم النّجاح في عملهم وأداء فرضهم وقد يكون لذلك الأثر السّلبيّ فيضيّعون المنهج الصّحيح المستقيم ويفرّطون فيه لذلك عليهم أن يسيروا على درب نبيّهم خطوة خطوة ويفقهوا دينهم ليستعيدوا مجده ويعيدوا له سلطانه فتستردّ بذلك الأمّة مكانتها لأنّها الوحيدة من بين الأمم التي وصفها الله بأنّها الأمّة الوسط، وهي شاهدة على الخلق في هذه الدّنيا - بما هي عليه من الحقّ - وشاهدة يوم القيامة على غيرها من الأمم... وهي قادرة على إصلاح نفسها، وإصلاح غيرها بما لديها من هدي كتاب ربّها وسنّة نبيّها. ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ فالعمل على نشر هذا النّور وإخراج النّاس من الظّلمات إلى النّور فرض أمّا الهداية فبيد الله وحده ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ فمهمّة الدّاعي التّبليغ والتّوضيح والبيان ﴿فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ يبذل الوسع فيه فيؤدّي بذلك الأمانة ويقوم بالفرض ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾. هذا هو طريق نبيّنا وصحابته الذين اتّبعوه وصاروا هم أيضا نجوما تقتدي بهم الأمّة في ظلمات الحياة. عن النبي e: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» (رواه مسلم)

 

تكون الدّعوة عبر وسائل ثلاث: الحكمة (وهي ما أنزل الله على رسوله من الكتاب والسّنّة، تجذب أصحاب العقول والفطر السّويّة)، والموعظة الحسنة (ما في الكتاب والسّنّة من الزّواجر والوقائع بالنّاس، يذكرهم بها ليحذروا بأس الله تعالى) والجدال بالتي هي أحسن (لمن يحتاج فهمه إلى مناظرة وجدال فيكون ذلك بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب) كما بيّن ذلك سبحانه في الآية الكريمة: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾. وعليه فالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، يقتضي أن يكون القائم به قدوة للآخرين، نجما يضيء الدّرب أمامهم ليعرفوا سبيل الحقّ فقد عاب الله من يقول ولا يفعل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ وعليه أيضا أن يخلص العمل لله وحده ويتبع سبيل رسوله وأجره على الله.

 

إنّ الإسلام دين الله الذي رضيه للنّاس وأوجبه قيادة فكريّة تسيّر حياتهم بأمن وطمأنينة - مسلمين كانوا أم غير مسلمين - ومن تُطبَّق عليه أحكامُ الخالق يحيا راضيا آمنا ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾. وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ تطبيق الإسلام لا يكون إلّا كاملا وشاملا فلا تنازل عن أيّ حكم فيه ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ﴾. ولنا في رسول الله أسوة وقدوة إذ لم يفرّط عليه الصّلاة والسّلام بأيّ حكم من أحكام الله رغم ما لاقى وأصحابه من ظلم قريش وتعذيبهم ولم يداهن ولم يماطل رغم الإغراءات، فوضّح لنا كيف ندعو لهذا النّور الذي أرسله الله هدى ورحمة للعالمين.

 

في سيرته عِبَرٌ منها ننهل ونتعلّم كيف نعيد لهذا الدّين مكانته وكيف نحافظ عليه ونذود وندافع عنه باذلين الغالي والنّفيس. علّمنا كيف يكون الإسلام لنا بوصلة تنبئنا بالطّريق الصّحيح لنحيا بأمان وننجو من العواصف العاتية التي سبّبتها مفاهيم الحضارة الغربيّة الكافرة وأعادتنا والبشريّة إلى العيش في ظلمات مخيفة مرعبة. علّمنا عليه الصّلاة والسّلام أنّ أمّتنا - بما حباها الله من تشريع - هي الأمّة الوحيدة القادرة على إخراج البشريّة من هذه الدّوّامة التي تحيا فيها تائهة ضائعة ترهقها المشاكل التي تتفاقم وتزداد يوما بعد يوم وتعجز الأنظمة الوضعيّة عن حلّها... جعلها الله أمّة وسطا لتهدي النّاس إلى نوره فتحيا به وتنفّذ فيهم أحكام الإسلام التي هي الأساس لقياس الأمور ووزن الأشياء وحلّ المشاكل. علّمنا أنّ شرع الله وحده الكفيل بتسيير حياة الخلق وأنّ كلّ الأنظمة الأخرى عود إلى الظّلمات وبُعد عن نور الله وهديه.

 

فليشمّر كلّ مخلص لهذا الدّين عن ساعده وليعمل جاهدا لعودة دولة الخلافة التي ستجمع شتات المسلمين وتستأنف الحياة بهذا النّور وتحكمهم به ويبذل ما في وسعه ليعيده إلى الحياة بعد أن أقصاه عنها النّظام الرّأسماليّ ورمى بالنّاس إلى الظّلمات وقد أخرجهم هو منها ليُشعّ من جديد فيعود للأمّة مجدها وعزّها وتتبوّأ مكانتها التي حباها بها خالقها وكرّمها بها: الأمّة الوسط!

 

كتبته للمكتب الإعلاميّ المركزيّ لحزب التّحرير

زينة الصّامت

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع