الأحد، 20 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

﴿وأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ

 

الإحسان درجة ومنزلة رفيعة لعباد الله الصالحين، حين يصل إليها أحدنا يكون قريباً من الله جل وعلا، مخلصاً في عمله، مهاجراً لربه طائعاً مستسلماً لأحكامه وشرعه، باذلاً الجهد في إتمام عباداته على أحسن وجه يرضي به الله ورسوله، لطيفاً دمثاً ودوداً في تعاملاته، مما يعطيه هدوءاً وسكينة في النفس والروح، ويكون محبّاً ومحبوباً، ناصحاً بالخير، مُبغضاً للشر.

 

وإن المتتبع لآيات القرآن الكريم، يجد العديد منها تتحدث عن فضيلة الإحسان، من الأمر به والحث عليه، وذكر أعمال المحسن وخصاله، وكيف وعد الله عباده المحسنين بالثواب والجنة والمحبة، فعلى المسلم اغتنام هذا الفضل والخير.

 

فمثلا يقول الله سبحانه حول إحسانه تعالى للمحسنين مقابل إحسانهم: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾. وحول قرب المحسنين منه جل وعلا: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾. وحول محبّته للمُحسنين: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، أما حول حُسن الثواب في الدنيا والآخرة فيقول: ﴿فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾. وقد أجزل جزاءهم في قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ ولذلك قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ».

 

فالإحسان له أوجه ومظاهر عديدة، وهو في العبادات والمعاملات، في صغائر الأمور وعظائمها. أعلاها الإحسان مع الله والذي يكون بتوحيده تبارك وتعالى، وإخلاص العبادة له. وكذلك الإحسان مع الرسول ﷺ بالإيمان به وبما جاء به وطاعته، ومحبته واتباعه، والاقتداء بسنته والسير على طريقته ومنهجه. وكذلك هناك الإحسان إلى الناس، ثم الإحسان إلى النفس وذلك بتزكيتها والحرص على سعادتها برضا الله في الدنيا ونجاتها في الآخرة.

 

فمن أنواع الإحسان الذي يملأ القلب سروراً وانشراحاً الإحسان إلى الناس وبذل يد العون لهم، فيما يعود عليهم بالنفع أو دفع الضرر في أمر دينهم أو دنياهم.

 

فما أجملها من لذة يجدها أحدنا حينما يعلِّم الناس الخير ابتغاء وجه ربه، فيرى بينهم أثراً لتعليمه وإرشاده ونصحه1 وكيف لا يتلذذ ولا يُسر من قدم هذا الإحسان إلى الناس ورأى أثره فيهم، خاصة هذه الأيام التي نعيش فيها في ضنك سواء فكريّاً أو اجتماعياً أو ماليا؟! فهذا صحح من مساره الفكري وجعله يرى الطريق الصحيح للتغيير والارتقاء، وهذا أخلص له النصح في مشاكله سواء الأسرية أو في العمل فكانت النتيجة وئاماً يسرّ القلب، وهذا مدّ له يد المساعدة بماله ومسح عنه غبار الحاجة وظلامة المذلة، وذاك أزال كربته أو سد ديْنه ففرّحه بعد أن كان حزيناً كئيبّا... فيا من تريد أن تشعر بالسرور وراحة النفس، اسعَ في الإحسان إلى الناس بما استطعت، لتسعد في دنياك، وابتغ بذلك وجه الله تعالى، لتسعد في أخراك.

 

وإن من أعظم صور الإحسان إلى الناس أن يكفّ أحدنا أذاه عن غيره بكل صوره، ويعفو عن إساءتهم وأذاهم له، ثم رغم ذلك يعاملهم بالإحسان، أي يقابل إساءتهم بالإحسان، فيستلّ مشاعر العداوة والكره ويضع مكانها مشاعر المحبة والود.

 

ولا ننسى أن في الإحسان إلى الخلق تكفيراً للسيئات وتفريجاً للكروب بإذن الله. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾.

 

فإن المحسن قد تُدفَع عنه مصائب، وتُصرف عنه نكبات بسبب إحسانه إلى عباد الله، ويتجسد ذلك في حديث رسول الله ﷺ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» وقال أيضاً: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ».

 

أما الجزاء الأوفى والثواب الأوفر للمحسنين، فهو بانتظارهم عند الله الكريم يوم لقائه، يحبُّهم، ويرضى عنهم، ويُكرِم نُزُلَهم، ويغفر خطاياهم، وُيدخِلهم جنةً عرضها السماوات والأرض؛ قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.

 

وإن تحرّينا الإحسان في كل أمورنا نعتاد عليه وعلى الإتقان في العبادات والمعاملات، فيحسن المرء في عبادة ربه، ومعاملة خلق الله، فيحسن إلى الوالدين والزوجة والأبناء والإخوة والجيران والأصدقاء، بل قد يصل به الإحسان إلى من يبغضه، فيقابل إساءته بالإحسان، ويمتد الإحسان ليشمل الحيوان والنبات «فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ». وإنّ أولى من يحسن إليه الإنسان هي نفسه التي بين جنبيه، التي سيُسأل عنها، ويُحاسب على أفعالها في دُنْياه وأُخْراه؛ قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة﴾.

 

 فأحسن إلى نفسك أيها الإنسان بأن تسلك بها الصراط المستقيم؛ صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، فإذا أقبلت على العبادة، فأقمْها بإتقان، واعملها بلا رياء وابتغاء لرضا الخلْق، فعمل العبادة وإتقانها من أحسن الإحسان.

 

ولكن هذا الإتقان يجب أن يرتبط بالحاجة إلى إحداث تغيير داخل أنفسنا وفي الآخرين وبالتالي في الأمة.. فيسعى المحسن إلى التغيير في كل جانب من جوانب حياته ومجتمعه، ومعرفة طريق التغيير الصحيح الذي ينهض بالأمة ويغير المفاهيم من جذورها لتكون مفاهيم إسلامية صافية ترسّخ تحكيم قوانين الإسلام ونظامه على هذه الأرض.

 

نسأل الله أن يجعلنا ممن أحسنوا عبادة الله، وأحسنوا إلى خلق الله، وأحسنوا إلى أنفسهم، وأن يرزقنا الإحسان في أعمالنا وأخلاقنا، والإخلاصَ في أقوالنا وأعمالنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين.

 

#رمضان_والإحسان

#Ramadan_And_Ihsan

#Ramazan_ve_İhsan

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مسلمة الشامي (أم صهيب)

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع