الإثنين، 21 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نقض المادة الأولى من الدستور التونسي ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُون﴾

  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بي بي سي عربي: بدأ البرلمان التونسي التصويت على الدستور الجديد لوضع البلاد على مسار الديمقراطية بعد ثلاثة أعوام من الثورة التي بدأت الربيع العربي. وقال مصطفى بن جعفر رئيس البرلمان مع بدء التصويت "إننا الآن في الساعة الحاسمة من عملية طويلة تهدف لإقامة دولة ديمقراطية".


وتنص المادة الأولى من مسودة الدستور على أن تونس "دولة حرة مستقلة ذات سيادة والإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها، لا يجوز تعديل هذا الفصل."


باستعراض المادة الأولى والمُصَادَق عليها في الدستور التونسي باعتبارها مادة أصلية وأساسية لا يجوز تعديلها ولا فصلها منذ إقرارها سنة 1959، نُدرك وبوضوح مخالفة هذه المادة للإسلام من جهة وللواقع من جهة أخرى، مخالفة صارخة، ونقف على أبرز المفاصل فيها:


تونس / دولة حُرّة:


جاء في تعريف تونس أنها دولة تقع في شمال أفريقيا يحُدّها من الشمال والشرق البحر الأبيض المتوسّط ومن الجنوب الشرقي ليبيا ومن الغرب الجزائر، فهل هذا التعريف لتونس هو تحديد جغرافي طبيعي أم تاريخي أم استعماري؟؟


المعلوم أن توزيع الدول وتحديد جغرافيتها لا تتحكم فيه العوامل الطبيعية وهو يتعلق بتحديد الحدود حسب التضاريس كالجبال والأنهار.. وتونس مثلا أرض تقع ضمن قارة كاملة، وحدودها تتحكّم فيه عوامل سياسية أو تاريخية..


أما عبر التاريخ فلم تكن تونس بهذا التحديد الجغرافي، فقد عُرفَت في التاريخ القديم بمدينة قرطاج وبعض المدن الساحلية، ولمّا كان الفتح الإسلامي، اعتنقت بلاد المغرب الإسلام ومن ضمنها تونس وتأسست مدينة القيروان لتكون أول مدينة إسلامية في شمال أفريقيا.. ووقع من بعد ضمّ كل هذه المدن إلى الدولة الإسلامية واعتبارها جزءا من الدولة لا حدود بينها ولا سدود ولا فرق بين منطقة وأخرى..


فهذه الحدود السياسية لتونس هي خطوط وهمية مرتبطة في نشأتها بالقوى الاستعمارية حيث رُسمت هذه الحدود بالتعاقد مع الدول الاستعمارية دون الاستناد لأي عامل طبيعي أو تاريخي، بل إن تحديد تونس بهذا النحو جاء ضمن تفكيك البلاد الإسلامية وتقسيمها إلى دويلات متفرقة ليسهل التحكم فيها واستغلالها.


من هنا كانت الحدود التونسية صنيعة استعمارية بامتياز، فكيف لدولة أن تحقق ذاتها وتمارس سيادتها وهي قائمة على حدود وهمية تمّ رسمها كخطوط متصلة أو مُقَطعة على الخرائط وفق خطة استعمارية لقوى متنفذة؟؟ وكيف لها أن تحقق معنى الدولة أصلا؟؟


دولة حرة


بالعودة إلى نصوص الشرع الإسلامي نجد أن لفظ الحرية يُستَعمل في مقابل العبودية. أمّا إذا تُركت الحرية على إطلاقها فهي تؤدي إلى الفوضى والانفلات، ولا يُمكن بأيّ حال من الأحوال وصف الدولة بلفظ حرة باعتبار أن الدولة هي كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تحملها أي أمة من الأمم.


ومن وجهة نظر الإسلام فالدولة "مُقيَّدة" في شكلها ومضمونها بأحكام الشرع، وأنظمتها منبثقة من العقيدة الإسلامية، والحاكم فيها يُحَاسَب على تقصيره أو إهماله في تطبيق الإسلام، فلا يمكن أن تكون الدولة حُرّة.


أما إن كان المقصود بالدولة الحُرّة أي صاحبة القرار والاختيار، فالمعلوم "بداهة" أن تونس تخضع في سياستها إلى السيطرة الأجنبية، هذه السياسة الناشئة على دبابات الاستعمار والتي سلَبت الدولة حقها في الاختيار والقرار باعتبارها دولة وصاية تحتاج لمن يقوم عليها ويُسيّرها.. فلا الشعب فيها يختار ولا الحكومة فيها تُقرّر، وإنما هو استعباد سياسي تعيشه تونس منذ عقود طويلة، ولم تتحرّر منه إلى الآن.


فلا يصلح أن نطلق على تونس دولة حرة، فلا العقل يقبله ولا الشرع يرضاه..


تونس دولة مستقلة ذات سيادة


إن الاستقلال في معناه هو تحرّر الشعب من الاحتلال بكل أشكاله - الاحتلال المادي والاقتصادي والثقافي... -


وتونس في تاريخها القديم "قرطاج" الذي يتفاخر به البعض كانت مستعمَرة فينيقية أسسها مستعمرون من مدينة صور باعتبارها مركزا تجاريا وملاحيا مهمّا.. وبعد حروب من أجل الاستقلال، دُمّرَت قرطاج وأصبحت مُستَعمرة رومانية..


والدولة المستقلة ذات السيادة هي الدولة التي لا تخضع لأي نفوذ أجنبي يستغلّها ويُوظُفها وينهب ثرواتها ويتحكّم في شأنها الداخلي والخارجي. والمعلوم أن تونس لا زالت ترزح تحت وطأة الاستعمار الأوروبي اقتصاديا وسياسيا. فدولة لا تملك الحق في التمتع بثروتها أو بالتصنيع أو رعاية شؤون الناس لا يمكن اعتبارها دولة مستقلّة.


من هنا لا يصلح أن نصف تونس اليوم بالدولة المستقلة على إثر الاحتلال الفرنسي وانتصابه في تونس منذ سنة 1881م، حتى إن البلاد التونسية لم تتحصّل على وثيقة استقلالها المؤرّخة من حزيران/يونيو 1955، ممّا دعا رئاسة الحكومة بأن تتقدم بتاريخ 31 كانون الثاني/يناير 2012 بمطلب استعجالي للإذن لرئيس الحكومة بتمكينه من نسخة مادية من وثيقة الاستقلال للبلاد التونسية.. لأن القانون يعتبر الاستقلال منقوصا على هذا النحو.


ثم إن كون الدولة ذات سيادة مرتبطٌ بوضع الدولة في النظام الدولي وشأنها في الخارج وتصرفها ككيان مستقل، وقدرتها بأن تسود وتأخذ بزمام الأمور.. وهذا لا ينطبق على تونس لأن المشهد السياسي فيها يُبيّن وبوضوح خضوعها لأجندات أجنبية وأيادٍ خارجيّة تحدد شأنها الداخلي والخارجي.


ولا يمكن اعتبار تونس مُحرّرة إلا إبان الفتح الإسلامي الذي صهرها مع باقي البلاد الإسلامية واعتبرها جزءا من الأمة، ولم تكُن تونس مفصولة أو مبتورة عنها، بل كانت تابعة في هويّتها وثقافتها وأنظمتها للدولة الإسلامية الممتدّة شرقا وغربا.. ويقضي نظام الحكم في الإسلام بالوحدة بين أجزاء الدولة، والقضاء على العرقية والعنصرية، فصارت تونس تستظلّ براية الدولة الإسلامية وتنتمي إلى حضارة عريقة وعظيمة هي الحضارة الإسلامية.. وأما سيادتها فمن سيادة الدولة الإسلامية التي كانت سيّدة العالم لقرون من الزمان.


دولة دينها الإسلام:


إن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للناس لتنظيم علاقاتهم، ومعالجة مشاكلهم، فهو لا يقتصر على تنظيم علاقة الإنسان بربه، بل يتعدى ذلك إلى تنظيم جميع علاقات الإنسان، من علاقته بربه، وعلاقته بنفسه وعلاقته بغيره.. فالإسلام هو دين يُنظّم شأن الفرد والجماعة والدولة، وليس مجرّد طقوس تُمَارس من قبل الأفراد.. كما أنه ليس دينا كهنوتيا لا يتعدّى العبادات الفردية، بل هو عقيدة انبثق عنها نظام سياسي واقتصادي واجتماعي.. وتقوم الدولة بتطبيقه على الناس.


والمعلوم أن دولة تونس لا تحكم بالإسلام في شؤون الناس بل هي تستميت على فصله عن الدولة وتعتبره شأنًا فرديًّا لا يصلح أن يتدخّل في السياسة والمجتمع.. ثم إن التديّن على هذا النحو هو مظهر فردي فلا يمكن وصف الدولة بالمتديّنة لأن الدولة هي الجهاز السياسي والإداري والقانوني الذي يُنظم الحياة داخل المجتمع..


وإن كان المقصود أنّ أغلب الشعب في تونس يعتنق الإسلام فهذا أمر متعلّق بالأفراد وليس متعلقا بالدولة لأن الدولة في حقيقتها كيان تنفيذي يضمّ أجهزة تعمل فيما بينها على تنفيذ النظام.


وتأتي المسألة أكثر وضوحا في المادة نفسها لتُبيّن أن نظام الدولة في تونس جمهوري:


ويعني هذا أن السيادة والسلطان للشعب، ينوبه فيها رئيس الدولة ووزراؤه في النظام الجمهوري الرئاسي أو مجلس الوزراء في النظام الجمهوري البرلماني. وقد ارتأى القائمون على الدستور الجديد التقليص من صلاحيات رئيس الجمهورية لحساب رئيس البرلمان ورئيس الحكومة، بما يمكّن تونس من نظام مزدوج رئاسي برلماني..


وهذه مخالفة صارخة لنظرة الإسلام في الحكم، فالتشريع ليس للشعب ولا رئيس الدولة ولا البرلمان، وجعل التشريع للبشر هو جريمة كبرى في الإسلام.. فالسيادة المطلقة للشرع وليس من حق رئيس الدولة أو غيره التحليل والتحريم، أو التحسين والتقبيح..


كما أن الحكم في الإسلام ليس عن طريق مجلس وزراء ووزراء لهم اختصاصات وصلاحيات وميزانيات منفصلة عن بعضها، قد تزيد هذه وتنقص تلك، فلا ينقل الفائض من هذه إلى تلك إلا بإجراءات كثيرة مطوَّلة، ما يسبب تعقيداتٍ في حل مصالح الناس؛ لتداخل عدة وزارات في المصلحة الواحدة، بدل أن تكون مصالح الناس ضمن جهاز إداري واحد يجمعها. ففي النظام الجمهوري يجزَّأ الحكم بين الوزارات، ويجمعها مجلس وزراء يملك الحكم بشكل (جماعي). وفي الإسلام لا يوجد مجلس وزراء بيده الحكم بمجموعه (على الشكل الديمقراطي)، بل إن رئيس الدولة هو الذي تختاره الأمة ليحكمها بكتاب الله وسنة رسوله، ورئيس الدولة يعين له معاونين (وزراء تفويض) يعاونونه في تحمل أعباء الخلافة، فهم وزراء بالمعنى اللغوي، أي معاونون للرئيس فيما يُعَيِّنُهم له.


دولة لغتها العربية


ويعني ذلك أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية والمعتمدة في كتابة القوانين والمجالس الحكومية والمناسبات أو الزيارات الرسمية والاتفاقيات والمعاهدات الدولية واعتماد هذه اللغة في سياسة التعليم.


والمعلوم أن تونس حينما تُمَثَّل في الخارج، لا تلتزم دائما باعتماد اللغة العربية، فكم من مرة يظهر رئيس الدولة في مناسبات رسمية يتحدث بلغة أجنبية حتى لا يظهر في موقف الجاهل الناقص!


ثم إن النص على أن اللغة العربية هي لغة الدولة لم يمنع من انتشار التعليم مثلا باللغات الأجنبية، واعتبار اللغة العربية مادة كباقي المواد لا يتم تركيزها داخل الدولة مما يدلل على أن عبارة "العربية لغة الدولة" لا تعبر بدقة عن الواقع، بل تساق على سبيل المجاز أو التعبير الخيالي.


إن هذه المادة الأولى من الدستور التونسي هي فاتحة كذب وتضليل، والسؤال الذي يجب أن يُسأل في هذا المقام: من أين يستمدّ هذا الدستور شرعيته؟ من الوحي أي الكتاب والسنة أم من جهة أخرى؟


والواضح من أول مادة دستورية بأنه يستمدّ شرعيته من البشر وليس من كتاب الله وسنته، وهذا ضلال وأي ضلال، لأن التحاكم إلى دستور لا يستمدّ شرعيته من كتاب الله وسنة رسوله هو تحاكم إلى الطاغوت، والواجب هو الحكم بما أنزل الله الذي يُلزم الشعوب ورؤساء الشعوب للخضوع لأحكامه، ففي الإسلام واجبات ومحرّمات، ومندوبات ومكروهات، ومباحات، كل ذلك تُبيّنه أحكام شرعية وجب العمل بها في الحياة الدنيا ويحرم تعطيلها أو تأجيلها أو العمل بغيرها لأنه فيه افتراء على تشريع الله وتطاول على حكمه وهذا حوب كبير..


لقد عرض حزب التحرير على الأمة الإسلامية مشروع دستور مأخوذ من العقيدة الإسلامية ولا شيء غير العقيدة الإسلامية، وطرحه بين يدي الأمة وحثّها على تبنيّه وتجاهل كل الدساتير الوضعية بوصفها من وضع البشر وليست وحيا من عند الله.. فهل يستوي الخبيث والطيب؟؟


إن هذه المواد الدستورية التي اجتمع عليها 217 نائبا لمدة ثلاث سنوات، ليُسخّروا طاقاتهم وأوقاتهم ويبذلوا الوسع والجهد في تقنين أهوائهم هو عمل فاشل وقد ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا..


ثمّ إن كل هذا الجهد المبذول، يسهل هدمه ونقضه لأنه كبيت العنكبوت، واهن وضعيف.. إذ لا يقي ساكنه حرّاً ولا قرّاً ولا يدفع عنه عدواً، كما أنه مصيدة وشرَك حيث يظن الناس بأنه الأمان..


يقول تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة العنكبوت: 41]

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نسرين بوظافري

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع