- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2025-06-25
جريدة الراية:
نشوء تحالفين عسكريين جديدين
في الشرق الأوسط والقوقاز وجنوب آسيا
بدأ التحالف السياسي والعسكري بين باكستان وتركيا وأذربيجان في التبلور بشكلٍ منظم منذ أن التقى قادة الدول الثلاث في قمة صيف عام 2024 وهم رئيس تركيا أردوغان ورئيس وزراء باكستان شهباز شريف ورئيس أذربيجان إلهام علييف، وناقشت هذه القمة الثلاثية العلاقات السياسية بين الدول الثلاث، وتناولت القضايا الإقليمية والعالمية مثل غزة وقبرص وكشمير ومسألة الإسلاموفوبيا.
وتقرر نقل عملية التعاون الثلاثي التي سبق أن عقدت اجتماعات على مستوى رؤساء البرلمانات ووزراء الخارجية إلى مستوى قادة الدول، وتم التأكيد على تطوير فرص التعاون بين هذه الدول الثلاث التي وُصفت بالصديقة والشقيقة، وتعزيز التعاون فيما بينها بوصفه يساهم في ازدهار شعوبها، وتعزيز السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي.
وقد أكدت القمة على أهمية التعاون بين الدول الثلاث في مكافحة التهديدات العابرة للحدود الوطنية، وخاصة مكافحة ما سمّي بالإرهاب، والتصميم المشترك بشأنه بوصفه خطراً على الجميع.
ومن ناحية تاريخية كان قد ظهر التنسيق التركي الباكستاني في المواقف الإقليمية منذ عام 1950 حيث دعمت تركيا باكستان في ملف كشمير، ثمّ بعد ذلك دخلت الدولتان مع العراق في حلف بغداد الذي كان مدعوماً من بريطانيا في مواجهة عميل أمريكا في المنطقة حاكم مصر جمال عبد الناصر في إطار الصراع الأمريكي البريطاني على الشرق الأوسط في خمسينات القرن الماضي.
لكن العلاقات العسكرية الحقيقية بين باكستان وتركيا قد بدأت بعد عام 2015 وتضمنت التنسيق الدفاعي بين الدولتين، كما تمت مضاعفة التصنيع الحربي المشترك بينهما فضلاً عن التعاون الاقتصادي لا سيما على صعيد تفعيل طريق الحرير الصيني لنقل البضائع من الصين إلى باكستان ثم تركيا ومنها إلى أوروبا.
وبالنسبة للدول الغربية وخاصة أمريكا فإنّ هذا التعاون الثنائي المكثف بين الدولتين الإقليميتين الكبيرتين المهمتين في المنطقة لا يقلقها بدرجة كبيرة لأنّ تركيا دولة عضو في حلف الناتو، وهي ملتزمة تماماً بقواعد الحلف الأطلسي، وهذا يجر باكستان إلى ما يشبه التبعية غير المباشرة للحلف ما يجعلها تقع تحت السيطرة الغربية بالتبع.
لكن هناك بعض الانزعاج لدى أمريكا من ارتباط باكستان بالصين على حساب الهند حليفة الغرب وأمريكا والتي تعتبر عضواً مهماً في قمة مجموعة (كواد) التي هي تكتل دولي سياسي يضم أمريكا والهند واليابان وأستراليا، غير أنّ ذلك الانزعاج لا يؤثّر على جوهر العلاقات الدولية مع باكستان وتركيا.
ولمعالجة هذا الخلل الجزئي وخاصة بعد حدوث الصدام الأخير بين الهند وباكستان، ثم موازنة هذا الحلف الباكستاني التركي الأذري بحلف مكافئ مكون من الهند وإيران وأرمينيا، فقامت الهند في مقابل تزويد تركيا لأذربيجان بالسلاح قامت بتزويد أرمينيا بالسلاح بعد انسحاب روسيا من المنطقة عقب حرب ناغورنو كاراباخ وخسارة أرمينيا في الحرب لصالح غريمتها أذربيجان، وتخلي روسيا عن دعم أرمينيا ووقوفها على الحياد.
وقد شرعت الهند فعلا في زيادة صادراتها من الأسلحة إلى أرمينيا، في تحرك واضح يهدف إلى التصدي للتحالف الاستراتيجي المتنامي بين تركيا وأذربيجان وباكستان، حيث ترى الهند في هذا التحالف الثلاثي عداءً صريحاً لها يحمل أبعادا عسكرية وسياسية واضحة فيه تحدّ مباشر لمصالحها الإقليمية، واصطفاف علني ضدها خاصة في أعقاب الصراع الأخير بين الهند وباكستان.
وفي عام 2022، وُقِّع عقد بقيمة 244.7 مليون دولار بين الهند وأرمينيا، ينص على تزويد الهند لأرمينيا منظومات (بيناكا) متعددة القاذفات، مع مجموعة من الذخائر والمعدات المساندة، ويُقدّر عددها بما لا يقل عن 4 بطاريات، وتشمل الصفقة أيضا قذائف هاون وصواريخ مضادة للدروع وأنواعاً أخرى من الذخائر.
وفي عام 2023، أبرمت شركة كالياني استراتيجيك سيستمز الهندية اتفاقية بقيمة 155.5 مليون دولار لتوريد مدافع عيار 155 ملم إلى أرمينيا، في إطار تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين، وفي العام نفسه وبالذات في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت شركة زين تكنولوجيز الهندية المتخصصة في تطوير أجهزة المحاكاة العسكرية وأنظمة مكافحة الطائرات المسيّرة عن تصدير تلك الأجهزة إلى أرمينيا بقيمة 41.5 مليون، وفي عام 2024 أبرمت أرمينيا صفقة أخرى لتوريد منظومات الدفاع الجوي من طراز آكاش بكميات غير معلنة، ما جعل أرمينيا من أكبر مستوردي منتجات الصناعات الدفاعية الهندية، وأصبحت الهند أحد أبرز مزودي أرمينيا بالسلاح.
وأمريكا بالطبع تميل بشكل واضح لصالح الهند ضد باكستان، فهي تُقيّد استعمال الطائرات الأمريكية المصدرة إلى باكستان كطائرات الـF16 وغيرها بقيود تمنعها من استخدامها فعلياً ضد الهند، وتجعلها فقط دفاعية، أو تسمح باستخدامها ضد الحركات الجهادية فقط.
ومن جهتها تقف إيران مع أرمينيا والهند في محور معاد لمحور باكستان وتركيا وأذربيجان، فإيران أحبطت مؤخراً مشروع ممر زغزور بين تركيا وأذربيجان وصولاً إلى مناطق آسيا الوسطى ككازاخستان وأوزبيكستان وقرغيزستان وتركمانستان لتمنع بذلك التواصل التركي مع الدول الناطقة باللغة التركية، ولتكون حاجزا جيوسياسيا يحول دون تكتل هذه الدول واتحادها بشكل من الأشكال.
وهكذا تمّ تشكيل تحالفين ثلاثيين متضادين ومتعاديين في منطقة الشرق الأوسط والقوقاز وجنوب آسيا وهما: (تحالف باكستان - تركيا - أذربيجان) في مقابل تحالف (الهند - إيران - أرمينيا)، وفي كل واحد منهما دولتان كبيرتان إحداهما نووية، ودولة صغيرة ملحقة، وبتشكيل تلك التكتلات يكون قد وجد نوع من التوازن الإقليمي يمنع التخلخل في المنطقة بعد غياب روسيا عن المشهد.
بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني
المصدر: جريدة الراية