- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
الجنوب العالمي والنظام العالمي الجديد - أمل أم سراب؟
(مترجم)
الخبر:
في نيسان/أبريل 2025، وخلال اجتماع وزراء خارجية دول البريكس في البرازيل، وجّه وزير خارجية ماليزيا، داتوك سيري محمد حسن، رسالةً واضحةً مفادها: لم يعد بإمكان العالم الاعتماد على قوة مهيمنة واحدة لضمان الاستقرار العالمي. وحثّ دول الجنوب العالمي التي تضمّ دولاً نامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوقيانوسيا، على النهوض جماعياً وقيادة تشكيل نظام عالمي جديد. وتعكس تصريحاته صدى أصواتٍ متناميةٍ مستاءةٍ من الهيمنة المطولة وتراجع مصداقية الحوكمة العالمية بقيادة الولايات المتحدة.
التعليق:
تنبع دعوة الجنوب العالمي إلى نظام عالمي جديد من خيبة أملٍ حقيقيةٍ تجاه فشل نظام القطب الواحد. فعلى مدى عقود، استغلّت الولايات المتحدة المؤسسات الدولية وقوتها العسكرية لتشكيل نظام عالمي يتمحور حول الليبرالية والرأسمالية والعلمانية ومصالحها الاستراتيجية. لكن التدخلات العسكرية الطويلة، وعدم المساواة الاقتصادية، وديونها الوطنية المتزايدة قد أضعفت شرعيتها ومكانتها على الساحة الدولية.
لقد أصبحت التصدعات الأخلاقية والهيكلية في القيادة الأمريكية واضحة الآن؛ بدءاً من الخسائر البشرية للحروب في العراق وأفغانستان وغيرهما، وصولاً إلى دعمها الثابت لكيان يهود الغاصب وسط انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في فلسطين. وقد سرّعت هذه العوامل البحث عن نماذج بديلة للقيادة العالمية، مع بروز التعددية القطبية كإطار مستقبلي محتمل.
ومع ذلك، فعلى الرغم من أن الجنوب العالمي يُذكر كثيراً كقاطرة محتملة لهذا النظام الجديد، إلا أن هناك قيوداً كبيرة تعيق تحقيق ذلك، فهذه الكتلة ما تزال تجمعاً متبايناً من الدول، يفتقر إلى:
• أساس مبدئي مشترك
• استراتيجية سياسية أو عسكرية منسقة
• هياكل مؤسسية أو حوكمة للقيادة الجماعية.
كما أن أعضاء هذه الكتلة يختلفون بدرجة كبيرة في أنظمتهم السياسية ومصالحهم الاقتصادية واصطفافاتهم الجيوسياسية، بل إن كثيراً منهم لا يزالون معتمدين بشدة على قوى خارجية في مجالات التجارة والأمن والبنية التحتية التكنولوجية. وبدون رؤية عالمية متماسكة أو رسالة موحدة، فمن غير المرجح أن يقدم الجنوب العالمي بديلاً جدياً للنظام الأحادي القطب الآخذ في التلاشي.
وعلى النقيض من ذلك، فإن الإسلام يقدم رؤية متكاملة وعميقة الجذور للقيادة العالمية. فقد أسس المسلمون في ظل الخلافة نموذجاً حضارياً شاملاً؛ حكم القارات بالعدل، وحقق الاستقرار الاقتصادي، والنهضة الفكرية. وعلى خلاف العلمانية، فإن الرؤية الإسلامية عالمية ربانية وشاملة، ومبنية على كرامة الإنسان والعدل الحقيقي.
وتمتلك البلاد الإسلامية اليوم المقومات اللازمة للقيادة: عدد سكاني ضخم، موارد طبيعية هائلة، موقع جغرافي استراتيجي، والأهم من ذلك، عقيدة توحيدية موحدة. وما تبقى هو الإرادة السياسية للتغلب على الانقسام وإعادة إرساء حكم جماعي متجذر في الشريعة الإسلامية.
يُشير تراجع الهيمنة الأمريكية إلى انفتاح جيوسياسي نادر. ومع ذلك، ما لم تغتنم الأمة الإسلامية هذه اللحظة بوضوح مبدئي ووحدة هدف، فإن رؤية نظام عالمي جديد ستظل سراباً. لا يُمكن إسناد القيادة إلى جهات خارجية، بل يجب استعادتها. وإن الإسلام ليس قادراً على قيادة نظام عالمي عادل فحسب، بل هو مُقدَّر له ذلك.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد – ماليزيا