السبت، 04 ذو الحجة 1446هـ| 2025/05/31م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
ما تسعى إليه؛ يسعى إليك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما تسعى إليه؛ يسعى إليك

(مترجم)

 

 

الخبر:

 

قرّر مجلس الوزراء الباكستاني، يوم الثلاثاء، ترقية الجنرال سيد عاصم منير، رئيس أركان الجيش، إلى رتبة مشير، وذلك في أعقاب النزاع العسكري الأخير بين باكستان والهند. (الجزيرة)

 

التعليق:

 

إحدى النتائج المهمة - وإن لم تكن مقصودة - للنزاع الذي استمر أربعة أيام بين الهند وباكستان، تمثّلت في دفع الناس إلى قراءة ما بين السطور. فقد وجد الباحثون عن الحقيقة وضوحاً في طريقهم، بينما انكشفت أقنعة الانتهازيين والمنافقين وهم يلهثون خلف المناصب والمكافآت. وبالنسبة لأولئك الذين أدركوا حجم مسؤوليتهم، فقد شكّل هذا الصراع فرصةً واضحة للارتقاء والوقوف دعماً لأمة محمد ﷺ، التي لا تزال تتعرض لانتهاكاتٍ مروّعة، لا تقلّ بشاعة عمّا ارتكبه المغول في تاريخهم. لقد أظهر هذا النزاع من جهة قوة وهيبة القوات المسلحة الباكستانية، ومن جهة أخرى كشف تردد السلطات في استخدام هذه القوة كاملةً. كما لاحظ الناس بوضوح تصاعداً في سُلم المكافآت والترقيات، وكان من أبرز الأمثلة على ذلك إعلان ترقية الجنرال عاصم منير إلى رتبة مشير. وتُعدّ رتبة مشير أعلى رتبة عسكرية، تُمنح للأفراد الذين قدّموا خدمات استثنائية، وغالباً ما تحمل طابعاً رمزياً يُمنح لقادة عسكريين متميزين، أولئك الذين لم يكتفوا بقيادة الجيوش، بل ساهموا في صناعة مصير بلادهم وتوجيه دفتها التاريخية.

 

الحروب في التاريخ لم تكن تُسمّى إلا بعد انتهائها، وغالباً ما كانت تُنسب إلى المناطق الجغرافية أو الأحداث البارزة أو حتى الاستراتيجيات التي استخدمت خلالها. أما في العالم الرأسمالي الحديث، فقد تحوّلت الحروب إلى عمليات ميدانية مخطّط لها مسبقاً، حيث تُتّخذ القرارات في الغرف المغلقة، وتُنفّذ تبعاتها على الشعوب البسيطة. وقد رأينا ذلك جليّاً في الأحداث الدولية خلال السنوات الخمس والعشرين إلى الثلاثين الماضية. على سبيل المثال، فإن ما سُمّي بـ"الحرب على الإرهاب"، لم يكن في حقيقته سوى حربٍ معلنة على المسلمين، وكأنهم مصدر الإرهاب، وكأنهم ينتشرون كالفطريات، يجب اقتلاعهم كما تُقتلع الأعشاب الضارّة! إنها حرب سُمّيت رسمياً عام 2001 على لسان رئيس أمريكا جورج بوش، ووجدت دعماً مباشراً من رئيس أركان الجيش الباكستاني آنذاك، برويز مشرف، وما زالت آثارها تتوالى حتى يومنا هذا.

 

إذا قُتل سيّاح هندوس في الهند، فإن الردّ المعتاد يكون بشنّ عمليات ضد المساجد والمدارس الدينية. ولو كانت هذه المساجد والمدارس داخل الأراضي الهندية، لما كان لدى باكستان أي اعتراض، إذ من حقّ الهند - كما لباكستان - أن تتعامل مع من تعتبرهم إرهابيين من رعاياها، لا سيما وأن الجيش الباكستاني نفسه يستخدم منذ آذار/مارس 2025 قوة مفرطة في تصفية من يُصنَّفون كإرهابيين داخل البلاد. ولكن، عندما تجاوزت الهند حدود باكستان، قرّرت باكستان الردّ بالمثل، وأطلقت على عمليتها اسم "بنيان مرصوص". هذا الاسم مستوحى من الآية الكريمة في سورة الصف: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾.

 

علّق ابن عباس رضي الله عنه على معنى قوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ بقوله: "هم كالبنيان المحكم الذي لا يتحرك، لأن أجزاءه مشدودة ومترابطة بعضها ببعض".

 

في السورة نفسها، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾، هذه الآية الكريمة جاءت تأنيباً وتوبيخاً لمن يقولون ما لا يصدقونه بالأفعال، وهي بمثابة ردّ قاطع على من يُخلِفون وعودهم. قال قتادة والضحاك إن هذه الآية نزلت توبيخاً لبعض الناس الذين كانوا يقولون: إنهم قتلوا، وقاتلوا، وطعنوا، وفعلوا كذا وكذا في المعركة، مع أنهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك!

 

قال سعيد بن جبير في تفسير قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً﴾، إن رسول الله ﷺ كان إذا أراد القتال، أحبّ أن يُصفَّ أصحابه صفوفاً، وهذه السورة تُعلّم المؤمنين ذلك. وقال أيضاً في قوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ "أي: أجزاؤه متماسكة ومترابطة بعضها ببعض؛ مصطفّين للقتال".

 

ومن السنّة، جاء في الحديث الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم أن رسول الله ﷺ قال: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ».

 

إن الأمة هي أمانة في أعناق الجيش الباكستاني، لأن الله تعالى قد أظهر قوّتهم وقدرتهم للعالم. وقد استندوا إلى آيات من القرآن الكريم لتبرير هذه القوة، لإدراكهم أن لا قول لديهم يُضاهي ما أنزله الله في كتابه العظيم. لكن استغلال هذه الآيات لمصالح شخصية يُوقِع أفعالهم في مستنقع النفاق، وقد بيّن النبي ﷺ علامات المنافق بوضوح، فلا يخفى حال من يُزيّن أفعاله بكلام الله، ثم يُخالف جوهره وسُلوكَه.

 

الحصول على الرتب والمكافآت بينما تبقى القضايا الجوهرية دون حلّ، ويظل الإسلام غير مطبَّق، لا ينبع من المعيار الإسلامي الحقيقي. فقد كان رسولنا ﷺ يتّخذ قراراته وهو جالس على تراب مسجده، يقود الغزوات، ويضع الخطط، ويعلّم، ويقاتل في طليعة أصحابه، وقد شهد العالم اتساعاً لا نظير له. كل هذا النصر والفتح وُعِد به المسلمون بشرط الطاعة الكاملة، ولا يُحقّقه إلا قائد لا يسعى لتخليد اسمه، بل يعمل من أجل رتبةٍ أبديةٍ في الجنة. أما الحرب التي تُفضي إلى إقامة الخلافة، فهي ما تنتظره الأمة بفارغ الصبر، وستخلّدها الكتب والتاريخ باسمٍ يليق بعظمتها، وسيتألّق اسم قائدها في عيون وقلوب أجيال الأمة على مر العصور.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

إخلاق جيهان

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع