الأحد، 20 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح157) تعيين الولاة من قبل الخليفة - صلاحية الوالي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 (ح157) تعيين الولاة من قبل الخليفة - صلاحية الوالي

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةِ وَالخَمْسِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:"تَعيِينُ الوُلَاةِ مِنْ قِبَلِ الخَلِيفَةِ - صَلَاحِيَّةُ الوَالِي". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 53- يُعَـيَّنُ الوُلَاةُ مِـْن قِبَلِ الخَلِيفَةِ، ويُعَـيَّنُ العُـمَّالُ مِنْ قِبَلِ الخَلِيفَةِ وَمِنْ قِبَلِ الوُلَاةِ إِذَا فَوَّضَ إِلِيهِمْ ذَلِكَ. وَيُشتَرَطُ فِي الوُلَاةِ وَالعُمَّالِ مَا يُشتَرَطُ فِي المُعَاوِنِينَ, فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا رِجَالاً أَحْرَاراً, مُسلِمِينَ, بَالِغِينَ, عُقَلَاءَ, عُدُولاً، وَأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْـلِ الكِفَايَةِ فِيمَا وُكِّلَ إِلَيهِمْ مِنْ أَعْمَالٍ، ويُتَخَـيَّرُونَ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالقُوَّةِ.

 

المادة 54- لِلوَالِي صَلَاحِيَّةُ الحُكْمِ وَالإِشرَافِ عَلَى أَعْمَالِ الدَّوَائِرِ فِي وِلَايَتِهِ نِيَابَةً عَنِ الخَلِيفَةِ، فَلَهُ جَمِيعُ الصَّلَاحِيَّاتِ فِي وِلَايَتِهِ عَدَا المَالِيَّةَ وَالقَضَاءَ وَالجَيشَ، فَلَهُ الإِمَارَةُ عَلَى أَهْلِ وِلَايَتِهِ، وَالنَّظَرُ فِي جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا. إِلَّا أَنَّ الشُّرطَةَ تُوضَعُ تَحْتَ إِمَارَتِهِ مِنْ حَيثُ التَّنفِيذُ لَا مِنْ حَيثُ الإِدَارَةُ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ.

 

أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَاتَانِ هُمَا الـمَادَّتَانِ الثَّالِثَةُ وَالخَمْسُونَ, وَالرَّابِعَةُ وَالخَمْسُونَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ الـمَادَّتين مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ, وهِيَ عَلَى النَّحْوِ الآتِي:

 

أولاً: المادة الثالثة والخمسون: دَلِيلُ هَذِهِ الـمَادَّةِ عَمَلُ الرَّسُولِ r وَالصَّحَابَةِ مِنْ بَعدِهِ. فَالرَّسُولُ r هُوَ الَّذِي كَانَ يَتَوَلَّى تَقلِيدَ الوُلَاةِ أَوْ أُمَرَاءِ البُلدَانِ، وَكَانَ يُقَلِّدُهُمُ الوِلَايَةَ كُلَّهَا كَمَا حَصَلَ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْم، فَقَدْ وَلَّاهُ اليَمَنَ كُلَّهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ فِي بَعْضِ الأحيَانِ يُقَلِّدُ كُلَّ وَاحِدٍ قِسْماً مِنَ الوِلَايَةِ كَمَا حَصَلَ مَعَ مُعَاذٍ بْنِ جَبَل وَأَبِي مُوسَى، فَقَدْ أَرسَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُمَا عَلَى مِخلَافٍ مُستَقِلٍّ عَنِ الآخَرِ مِنَ اليَمَنِ. وَقَالَ لَهُمَا: «يَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى).

 

وَأَمَّا كَونُ الوَالِي يَجُوزُ أَنْ يُعَيِّنَ عُمَّالاً فِي وِلَايَتِهِ فَإِنَّ ذَلَكِ مَأخُوذٌ مِنْ أَنَّ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَجعَلَ فِي تَقلِيدِ الوَالِي أَنَّ لَهُ تَقلِيدَ العُمَّالِ. وَأَمَّا أَنَّهُ يُشتَرَطُ فِي الوُلَاةِ مَا يُشتَرَطُ فِي الـمُعَاوِنِينَ فَإِنَّهُ مَأخُوذٌ مِنْ أَنَّ الوَالِي كَالمُعَاوِنِ نَائِبٌ عَنِ الخَلِيفَةِ فِي الحُكْمِ، فَهُوَ حَاكِمٌ, فَيُشتَرَطُ فِيهِ مَا يُشتَرَطُ فِي الخَلِيفَةِ، إِذْ يُشتَرَطُ فِي المُعَاوِنِ مَا يُشتَرَطُ فِي الخَلِيفَةِ. فَيُشتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ رَجُلاً، لِقَولِهِ r: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً». (أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرَةَ).

 

وَالوِلَايَةُ فِي الحَدِيثِ مَقصُودٌ بِهَا الحُكْمُ، بِدَلِيلِ قُولِهِ: "أَمرَهُمْ"، وَكَلِمَةُ "أَمْرَهُمْ" إِذَا قُرِنَتْ بِـ"وَلِيّ" وَ"وِلَايَة" فَإِنَّهَا تُعَيِّنُ مَعنَى كَلِمَةِ "وَلِي" وَ"وِلَايَة" بِأَنَّهَا الحُكْمُ وَالسُّلطَانُ.

 

وَيُشتَرَطُ فِيهِ: أَنْ يَكُونَ حُرّاً لِأَنَّ العَبدَ الرَّقِيقَ لَا يَملِكُ نَفْسَهُ, فَلَا يَكُونُ حَاكِماً عَلَى غَيرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُسلِماً لِقَولِهِ تَعَالَى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى الـمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا). (النساء 141) وَأَنْ يَكُونَ بَالِغاً عَاقِلاً لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، وَفِيهِ: «عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ... وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَبْرَأَ»، وَفِي رِوَايَةٍ أُخرَى لِأَبِي دَاوُدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قال: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ عَنِ الْمَجْـنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يَفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ»، وَكَذَلِكَ فِي مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ...»، وَمَنْ رُفِعَ عَنهُ القَلَمُ فَهُوَ غَيرُ مُكَلَّفٍ. وَرَفْعُ القَلَمِ رَفْعُ الحُكْمِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى تَنفِيذَ الأَحْكَامِ أَيِ السُّلطَةِ.

 

وَكَذَلِكَ يُشتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَدْلاً، لِأَنَّ اللهَ اشتَرَطَ العَدَالَةَ فِي الشَّاهِدِ فَهِيَ فِي الحَاكِمِ مِنْ بَابِ أَولَى، وَلِقَولِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا). (الحجرات 6) فَأَمَرَ بِالتَّبَيُّنِ عِندَ قَولِ الفَاسِقِ، وَالحَاكِمُ يَجِبُ أَنْ يُؤخَذَ حُكْمُهُ مِنْ غَيرِ تَبَيُّنٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الحَاكِمُ مِمَّنْ لَا يُقبَلُ قَولُهُ إِلَّا بِالتَّبَيُّنِ عِندَ حُكْمِهِ. وَيُشتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الكِفَايَةِ وَالـمَقدِرَةِ عَلَى القِيَامِ بِمَا وُكِّلَ إِلَيهِ مِنْ أَعْمَالِ الحُكْمِ، لِأَنَّ الرَّسُولَ r قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ طَلَبَ مِنهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ وِلَايَةً قَالَ لَهُ: «إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفاً» أَخرَجَهُ مُسلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ وَفِي رِوَايَةٍ أُخرَى: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَة» وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ ضَعِيفاً أَيْ عَاجِزاً عَنِ القِيَامِ بِأَعبَاءِ الحُكْمِ لَا يَصلُحُ لِأَنْ يَكُونَ وَالِياً. وَقَدْ كَانَ r يَتَخَيَّرُ وُلَاتَهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ لِلْحُكْمِ، وَأُولِي العِلْمِ المَعرُوفَينِ بِالتَّقْوَى، وَيَختَارُهُمْ مِمَّنْ يُحسِنُونَ العَمَلَ فِيمَا يُوَلَّوْنَ، وَيُشرِبُونَ قُلُوبَ الرَّعِيَّةِ بِالإِيمَانِ وَمَهَابَةِ الدَّولَةِ. عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إِذَا أَمَّرَ أَمِيراً عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً ...». (أخرجه مُسلِمُ) وَالوَالِي أَمِيرٌ عَلَى وِلَايَتِهِ فَيَدخُلُ تَحْتَ هَذَا الحَدِيثِ.

 

ثانياً: المادة الرابعة والخمسون: دَلِيلُهَا أَنَّ الوَالِي نَائِبٌ عَنِ الخَلِيفَةِ فِي المَكَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ فِيهِ. فَلَهُ مَا لِلخَلِيفَةِ مِنْ صَلَاحِيَّاتٍ، وَهُوَ كَالمُعَاوِنِ فِي عُمُومِ النَّظَرِ إِذَا كَانَتْ وِلَايَتُهُ عَامَّةٌ، وَلَكِنْ فِي مَكَانِ (وِلَايَتِهِ) لَا يَتَجَاوَزُهُ, وَيَحتَاجُ إِلَى تَقلِيدٍ جَدِيدٍ لِأَيِّ مَكَانٍ آخَرَ (وِلَايَةٍ أُخرَى). وَلَهُ خُصُوصُ النَّظَرِ فِي الأُمُورِ الَّتِي وُلِّيَ فِيهَا فَقَط إِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ خَاصَّةً، وَلَا صَلَاحِيَّةَ لَهُ فِي النَّظَرِ فِي غَيرِهَا.

 

وَقَدْ كَانَ الرَّسُـولُ r يُوَلِّي بَعْضَ الوُلَاةِ فِي كُلِّ شَيءٍ وِلَايَةً عَامَّةً، كَمَا كَانَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَل حِينَ وَلَّاهُ r اليَمَنَ, وَجَعَلَ لَهُ الصَّلَاةَ وَالصَّدَقَةَ. وَكَانَ r يُوَلِّي بَعْضَ الوُلَاةِ وِلَايَةً خَاصَّةً، كَمَا كَانَ لِفَرْوَةَ بْنِ مُسَيكٍ حِينَ وَلَّاهُ r عَلَى مُرَادَ وَمُذْحِجَ وَزُبَيدَ، وَأَرسَلَ مَعَهُ خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ عَلَى الصَّدَقَةِ. وَهَكَذَا كَانَتْ وِلَايَةُ مُعَاذَ بِنِ جَبَلَ وِلَايَةً عَامَّةً عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ, وَكَانَتْ وِلَايَةُ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيكٍ وِلَايَةً خَاصَّةً عَلَى الصَّلَاةِ، وَكَانَتْ وِلَايَةُ خَالِدٍ بْنِ سَعِيدٍ وِلَايَةً خَاصَّةً عَلَى الصَّدَقَةِ.

 

وَكَذَلِكَ كَانَ الرَّسُولُ r يُرسِلُ بَعْضَ الوُلَاةِ، وَلَا يُعَلِّمُهُ كَيفَ يَسِيرُ، فَقَدْ أَرْسَلَ عَلِيّاً t إِلَى اليَمَنِ, وَلَمْ يُعَلِّمْهُ شَيئاً لِعِلْمِهِ بِهِ وَمَعرِفَتِهِ بِقُدْرَتِهِ. وَكَانَ r يُرسِلُ بَعضَهْمُ, وَيُعَلِّمُهُ كَيفَ يَسِيرُ، فَقَدْ أَرْسَلَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ، وَقَالَ الرَّسُولُ r لَهُ: «كَيْفَ تَقْضِي إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟ قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو، قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرِي فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ r لِمَا يُرْضِي رَسُولَهُ» (أَخرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لِأَحْمَدَ). وَكَذَلِكَ ذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الـمُغنِي وَالآمِدِيِّ فِي الإِحْكَامِ، فَالحَدِيثُ مَشْهُورٌ، أَخَذَ بِهِ الـمُجتَهِدُونَ الـمُعتَبَرُونَ، فَيُعتَبَرُ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ مِنَ الحَسَنِ.

 

وَهَكَذَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى الوَالِي وِلَايَةً عَامَّةً أَوْ وِلَايَةً خَاصَّةً، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُبَيَّنَ لَهُ سَيرُ عَمَلِهِ تَفصِيلاً أَو إِجْمَالاً... وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يُعَيِّنَ وَالِياً وِلَايَةً عَامةً، وَأَنْ يُعَيِّنَ وَالِياً وِلَايَةً خَاصَّةً، إِلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ وِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ وِلَايَةً عَامَّةً أَنَّهُ استَقَلَّ عَنِ الخَلِيفَةِ فِي أَيَّامِ عُثمَانَ، وَلَمْ يَكُنْ يَظْهَرُ سُلطَانُ عُثمَانَ عَلَيهِ، وَبَعْدَ وَفَاةِ عُثْمَانَ أَحْدَثَ تِلْكَ الفِتنَةَ بِمَا يَملِكُ مِنْ صَلَاحِيَّاتِ الحُكْمِ فِي كُلِّ شَيءٍ فِي بِلَادِ الشَّامِ، وَثَبَتَ أَيَّامَ ضَعْفِ الخُلَفَاءِ العَبَّاسِيِّينَ أَنَّ الوِلَايَةَ العَامَّةَ مَكَّنَتْ مِنَ استِقلَالِ الوِلَايَاتِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ لِلخَلِيفَةِ عَلَيهَا مِنْ سُلطَةٍ سِوَى الدُّعَاءِ بِاسمِهِ، وَسَكِّ النُّقُودِ بِاسمِهِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ إِعْطَاءُ الوِلَايَةِ العَامَّةِ يُسَبِّبُ ضَرَراً لِلدَّولَةِ الإِسلَامِيَّةِ، وَلِذَلِكَ تُخَصَّصُ وِلَايَةُ الوَالِي فِيمَا لَا يُؤَدِّي بِهِ إِلَى الاستِقلَالِ عَنِ الخَلِيفَةِ. وَبِمَا أَنَّ الَّذِي يُمَكِّنُ مِنَ الاستِقلَالِ هُوَ الجَيشُ وَالمَالُ وَالقَضَاءُ، لِأَنَّ الجَيشَ هُوَ القُوَّةُ، وَالمَالُ هُوَ عَصَبُ الحَيَاةِ، وَالقَضَاءُ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ بِهِ حِفْظُ الحُقُوقِ وَإِقَامَةُ الحُدُودِ، لِهَذَا تُجعَلُ الوِلَايَةُ لِلوُلَاةِ وِلَايَةً خَاصَّةً فِي غَيرِ القَضَاءِ وَالجَيشِ وَالـمَالِ، لِمَا يُسَبِّبُ جَعْلَهَا بِيَدِ الوَالِي مِنْ خَطَرِ الاستِقْلَالِ، وَمَا يَعُودُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الدَّولَةِ مِنْ خَطَرٍ. وَبِنَاءً عَلَى هَذَا وُضِعَ القِسْمُ الثَّانِي مِنْ هَذِهِ المَادَّةِ. وَأَمَّا القِسْمُ الأَخِيرُ مِنهَا فَإِنَّ الوَالِي حَاكِمٌ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ قُوَّةٍ لِلتَّنفِيذِ، وَلِهَذَا كَانَتِ الشُّرطَةُ تَحْتَ إِمَارَتِهِ، وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ شَامِلَةً لَهَا كَمَا هِيَ شَامِلَةٌ لِكُلِّ شَيءٍ فِي الوِلَايَـة، مَا عـَدَا الثَّلَاثَةَ الآنِفَةَ الذِّكْـرِ. إِلَّا أَنَّ الشُرطَةَ بِاعتِبَارِهَا تَابِعَةً لِلأَمْنِ الدَّاخِلِيِّ فَإِنَّ إِدَارَتَهَا تَكُونُ بِيَدِ دَائِرَةِ الأَمْنِ الدَّاخِلِيِّ, وَلَكِنَّهَا تَكُونُ تَحْتَ تَصَرُّفِ الوَالِي.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع