الأحد، 20 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نفحات رمضانية -ح2 فصل الدين عن السياسة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله حمد الشاكرين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين, ومن اهتدى بهديه, واستن بسنته وسار على دربه, ودعا بدعوته إلى يوم الدين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم, برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:


إخوة الإيمان:


من الأفكار التي غزا بها الغربيون عقول المسلمين فكرة فصل الدين عن الحياة, وفصل الدين عن الدولة, وفصل الدين عن السياسة. فكرة فصل الدين عن الحياة والتي هي أساس حضارة الغرب ووجهة نظره في الحياة. فالدين عند الغربيين هو مجرد طقوس وشعائر معينة تعنى بالفرد ولا تخاطب المجتمع بوصفه كلا متكاملا. فنجد أن الدين عند الغرب يعالج أمورا مثل الزواج والطلاق والصلاة وبعض الأمور الخلقية, ولا علاقة له بالنظام الاقتصادي ونظام الحكم والسياسة الخارجية والحكام وغيرها من شؤون الحياة والمجتمع.


في مقابلة صحفية أجريت مع الملك حسين في الثمانينات أيام حرب الخليج بين العراق وإيران, عبر جريدة النهار العربي والدولي قال فيها: " نعتز بالإسلام دينا ونرفض تسييسه ", وقال أيضا: " أما دعاة التزمت الذين يدخلون الدين في السياسة والسياسة في الدين فأولئك يعملون عكس المطلوب ".


وقبل اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات بأيام قليلة قال مهددا الجماعات الإسلامية التي تهتم بالسياسة: " الذي يدخل الدين في السياسة والسياسة في الدين حفرمه فرم ". أي سأفرمه فرما. هذا التعبير باللهجة المصرية يعني أنه سيقطعه قطعا صغيرة. وقال الكاتب المصري أحمد أمين في كتابه " إلى ولدي " الذي تقرر تدريسه في مناهج التعليم في المرحلة الثانوية لدى بعض الدول العربية: " أما السياسة فأرتضيها لك قولا, ولا أرتضيها لك عملاً ".


هذا المفهوم يقدم للمسلمين لا بوساطة العلمانيين فحسب, بل للأسف يجري تقديمه بأسلوب خداع خبيث من قبل بعض " دعاة الإسلام " وشيوخهم, وحتى بعض الجماعات الإسلامية بغض النظر إذا كان يقدم للأمة بعلم من قبل الدعاة أو من غير علم فالنتيجة واحدة. فكم مرة سمعنا عبارات تحمل هذا المفهوم مثل : " السياسة تياسة ". " دع السياسة للسياسيين ". " لا سياسة في الدين, ولا دين في السياسة ". " عليك بنفسك " أو " دع السياسة واعمل على بناء إيمانك " أو " الأمة ليست مستعدة للحديث عن الحكام والحكم بالإسلام فعلينا الآن العمل على بناء أنفسنا " أو " على الشباب أن لا يشغل نفسه بهذه الأمور وعليه أن يركز على طلب العلم "... فما معنى السياسة؟ وما موقف الإسلام منها؟


السياسة في اللغة مشتقة من الفعل: ساس, يسوس, فهو سائس, ومعناه: رعى, يرعى, فهو راع. ومنها أخذ لفظ " سائس الخيل " و " سائس الإبل " وهو الرجل الذي يعتني بالخيل أو الإبل: يختار لها أفضل المراعي, ويطعمها, ويسقيها, ويوفر لها المبيت الآمن, ويضمد جراحها, ويداويها إذا مرضت. فالسياسة معناها الرعاية.


ومن هنا ندرك الحكمة من رعاية الأنبياء للغنم: فما من نبي إلاَّ ورعى الغنم, وقد كان نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام يرعى الغنم على قراريط لأهل مكة.


وفي مقابلة صحفية مع العقيد القذافي حاكم ليبيا, قالت الصحفية تسأل العقيد: " ما من نبي إلاَّ ورعى الغنم ". فهل رعيت الغنم يا سيادة العقيد؟ فأجاب: " نعم ". فقالت الصحفية لترضي غرور القذافي: " أنت رسول الصحراء ".


جاء في صحيح البخاري قال: حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن عبد الله، قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام : « كلكم راع وكلكم مسئول فالإمام راع وهو مسئول والرجل راع على أهله وهو مسئول والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة والعبد راع على مال سيده وهو مسئول ألا فكلكم راع وكلكم مسئول ».


وما دام الإمام راع لأفراد رعيته, والرجل راع لأهل بيته, والمرأة راعية لبيتها, والعبد راع لمال سيده. مادام كل واحد من هؤلاء راع وهو مسئول عن رعيته, وما دامت السياسة هي الرعاية, وما دام النبي عليه الصلاة والسلام يقول: « كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته »؛ إذن من حقنا أن نقول بملء الفم هذه العبارة: "  كلنا راع أي كلنا سياسي ".


وجاء في صحيح البخاري أيضا قال: حدثني محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن فرات القزاز قال: سمعت أبا حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: « كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا: فما تأمرنا قال فُوا ببيعة الأول فالأول أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ».


الإسلام دين منه الدولة. والسياسة جزء من الإسلام. والإسلام دين يعالج جميع شؤون الحياة, ومن يقول خلاف ذلك يكون مخطئا أشد الخطأ. وها هم بعض " دعاة الإسلام " وشيوخهم, وحتى بعض الجماعات الإسلامية منذ عشرات السنين يشغلون الأمة ببعض جوانب من الإسلام بشكل مبتور لا يعالج الموضوع بشكل متكامل ولا يربطون هذه الأحكام بالعقيدة أو كونها جزءا من طريقة الحياة الإسلامية بل تقدم كطقوس كهنوتية.


وبالإضافة إلى هذا ها هم يتركون أحكام الإسلام المتعلقة بالحدود والجهاد وواقع الدار هل هي دار إسلام أو دار كفر. وأحكام المعاهدات في الإسلام ومقارنتها بالمعاهدات الحياتية التي تعقد وأنظمة الكفر التي تطبق.


هذا العمل المركز من قبل هؤلاء نجح نجاحا كبيرا منذ غدا الإسلام عند الأمة مجرد طقوس وشعائر لا تمت للحياة بصلة فتراهم يغضبون لمسلم يدخل المسجد برجله اليسرى, ولا يرون بأسا بإقصاء حكم الله تعالى عن الحياة والمجتمع وتطبيق حكم الكفر عليهم. حتى وإن رأوا بأسا بالحكم بأنظمة الكفر فهم لا ينظرون إليها على أنها قضية حياة أو موت بل يرونه على أنه الهدف البعيد الذي سيأتي في الوقت المناسب، أما الآن فهو في نظرهم وقت تصحيح الأمور الفردية. وما هذا الاتجاه إلا تكريس لفكرة فصل الدين عن الحياة حتى لو لم يعلم حامل هذه الأفكار هذه الناحية فهذا هو الواقع. وإلا فما الذي يفرق فصل الدين عن الحياة عن هذا الاتجاه؟ من الواضح أنه لا فرق. فليحذر المسلمون من الأخذ بهذه الأفكار.


اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا, وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا, وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا, واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير, واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علما نافعا. اللهم أقر أعيننا بقيام دولة الخلافة, واجعلنا من جنودها الأوفياء المخلصين.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

مهاجرة غير

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع