الإثنين، 21 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الإصلاح والتغيير من منظور الإسلام الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لقد رفعت الجماهير الثائرة في البلاد الإسلامية شعارات وهتفت بمطالب تريد تغيير هذا الواقع الذي وصلت إليه، جرّاء السياسات التي طبقت عليها منذ عقود طويلة، والتي أحدثت كما هائلا من المظالم، هدرت فيها الكرامة وضُيعت الحقوق ونُهبت الثروات وسُفكت الدماء، وامتهنت النفس البشرية في دهاليز زنازين المخابرات والسجون السرية، والأدهى والأمر من ذلك كله أن يُطعن في دين الأمة وعقيدتها ويُستهزأ برسولها، ويرى الناس الحرب الشرسة على دينهم بمشاركة حكامهم، فأُذلت الشعوب أيّما إذلال على أيدي السلطات القائمة وأجهزتها القمعية وعلى أيدي جنود الكفار على حدٍ سواء وأصبح عموم الناس يرون بأم أعينهم تآمر الحكام مع أعدائهم عليهم، وأصبح رعاة الإبل الذين هم أقل الناس اهتماما بالشأن العام قادرين على تشخيص الفساد تشخيصا دقيقا، مما دفع هذه الشعوب إلى الخروج على حكامها بصدور عارية تواجه آلة القتل الوحشية، وهي تعرف مدى إجرامها، غير آبهة بما ستدفعه من ثمن .


ومن المشاهد أيضاً أنّ الأحزاب السياسية التي عايشت هذه الأنظمة وكانت طرفاً في اللعبة السياسية بوجودها في المعارضة أو بمشاركتها في الحكومات، قد التحقت بهذه الثورات بعد تردد، إلا أنها رفعت شعار الإصلاح وأنها لا تريد التغيير وإنما تريد الإصلاح.


فثارت قضية جدلية في أوساط الثورات، هل المطلوب الإصلاح أم التغيير؟؟.


فكان لا بد من التصدي لهذا الأمر وبلورته من منظورٍ شرعي لما له من أثر خطير على مسيرة الثورات، ومستقبل الشعوب، ولتحديد الموقف الذي يجب أن يُتخذ من فبل المسلمين، هل يقبلون الإصلاح ويعملون له؟ أم يرفضونه ويقبلون التغيير ويعملون له؟؟.


حتى لا يجري تضليل المسلمين وإحباط ثوراتهم وسرقتها وإهدار دماء الشهداء، وإضاعة التضحيات ووقوع الأمة في الإحباط واليأس من جديد، والاستسلام للواقع الأثيم، لذلك لابد من تسليط الضوء على عملية الإصلاح ومعرفة واقعها وعملية التغيير كذلك، لما لهذا الأمر من أهمية عظيمة في حياة الشعوب و أثره في نهضتها أو انحطاطها، كما أن هذا الموضوع له جوانب عديدة ومتطلبات هامة لابد منها لتبصر الأمة طريق نهضتها وتضع القدم على أول طريق الخلاص.


وسأقوم بتقديم هذه المقالة المتواضعة بطريقة موجزة ومبسطة لفتح الباب لاستيعاب هذا الأمر بالبحث والتقصي والقيام بما يلزم في مرحلة الثورات وما بعدها عند التمكين القريب بإذن الله تعالى .


إن مما لا شك فيه أن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي للخلقة التي فطره الله عليها، فهو محدود يظهر عليه العجز والنقص والاحتياج، فلا بد له من العيش مع الآخرين عيشاً يحقق له إشباع حاجاته وغرائزه ويحقق السعادة والطمأنينة له ولمجتمعه .


وبحكم هذا الاجتماع لا بد من منظومة تشريعية تنظم علاقات الناس بعضهم ببعض وتحقق لهم الغاية المنشودة .


وعند إنعام النظر في التشريعات التفصيلية التي تضبط كل سلوك في الحياة، نجد أنه لا بد لها من أساس تشريعي تستند إليه، وهي العقيدة، وجملة القواعد والمقاييس المنبثقة عنها، والتي تشكل المرجعية لتفسير التشريع وفهمه، وتجعل في التشريع القدرة على معالجة الوقائع المتغيرة والمتجددة، وخاصة وأن أفهام الناس تختلف في فهم وتفسير التشريعات وإنزالها على الوقائع، فبدونها تصبح التشريعات جامدة لا حياة فيها وعاجزةً عن مواكبة حيوية المجتمعات .


ثم إن العقيدة هي التي تُفعِّل هذه التشريعات في المجتمع فتحدث النهضة الشاملة .


فما الذي يدفع الفرد بالابتعاد عن الربا والغش والاحتكار وبذل المال بسخاء على أوجه الخير المختلفة، غير العقيدة؟؟ وما الذي يجعل أفراد الأمة يُقبلون على التضحية والاستشهاد في ميادين الجهاد؟؟ وما الذي يلهم المبدعين من علماء ومفكرين ومخترعين؟؟ وما الذي يجعل المحكومين يحترمون القوانين ويلتزمون بها حتى في غياب أعين النظام؟؟ وما الذي يمنع الحاكم من الظلم والاستبداد غير العقيدة؟؟...


ومن هنا جاء الأساس العقائدي الذي يبتنى عليه التشريع كأمرٍ لازم للتشريع ولمشروع النهوض للأمة بصفتها أمة متميزة، وكذلك من المسلمات أن المنظومة التشريعية لا تطبق على الناس إلاَّ من خلال كيان سياسي، قامت جميع مكوناته على نفس الأساس العقائدي، وهو ما يُسمى عند المسلمين بسلطان الإسلام الذي عُرِّف بأنه رئاسة عامة للمسلمين جميعا، وهو حمل الكافة على مُقتضى النظر الشرعي، والذي حددته الأحكام السلطانية وبينتهُ بياناً دقيقاً ومفصلاً، وهو ما يُعرف في زماننا بالدستور ونظام الحكم .


فمن خلال النظام السياسي يجري تنفيذ المبدأ في الحياة ويحمل رسالة للعالم وبغيابه يغيب الإسلام من الحياة ولا يظهر إلاّ كسلوك فردي في أضيق الحدود، ويبقى الإسلام كمبدأ مجرد أفكار في بطون الكتب، أي دراسة أكاديمية ليس لها نصيب في حياة الناس .


ثم تأتي المُسلَّمة الأخيرة التي تبحث في أدوات التنفيذ أي في الرجال وأهليتهم لقيادة المجتمع بهذا المبدأ .


ومما سبق يتبين لنا بشكل واضح لا لبس فيه أن نهضة الشعوب تقوم على هذه المرتكزات :
1- منظومة تشريعية منبثقة من عقيدة محددة .
2- كيان سياسي قادر على التعاطي مع هذه المنظومة .
3- رجال أكفاء لهذا المشروع العظيم .


وكذلك يتضح لنا أن أي خلل في المجتمع يرجع إلى خللٍ في أحد المرتكزات أوفيها جميعها، وهنا يردُ السؤال الكبير، متى يجب الإصلاح ويحرم التغيير أو العكس؟؟


وللإجابة على ذلك لابد من دراسة الواقع الذي نحن بصدده لتحديد ما المطلوب الإصلاح أم التغيير؟؟ فإن كانت الاختلالات في المجتمع والفساد الحادث يرجع إلى فساد التشريع نتيجة لضعف الاجتهاد وسوء فهم الإسلام وعدم استنباط المعالجات من مصادر التشريع الإسلامي استنباطاً صحيحاً نتج عنه تشريعات مغلوطة أحدثت عند التطبيق نتائج سلبية وآثار خطيرة على المجتمع فحدث ما حدث من فساد ومشاكل في المجتمع والدولة، وهنا يجب الإصلاح ويحرم التغيير.


وإن كان التشريع سليم والخلل في سوء التطبيق نتيجةً لعدم إتباع الكفاية الذاتية في اختيار الرجال أو إتباع الهوى في تنفيذ الأحكام أو فساد الرجال، هنا يجب الإصلاح ويحرم التغيير أيضا.


وخلاصة القول إنْ كان الفساد في سوء الفهم أو فساد في الرجال نتج عنه سوء التطبيق، وأن الفساد لم يتطرق إلى الأساس العقائدي عندئذٍ يجب الإصلاح ويحرم التغيير، وفي هذه الحالة يجب التصدي لفساد التشريع بثورة فكرية وثورة في الاجتهاد للوصول إلى التشريع الصحيح الراقي المأخوذ من الوحي المجسد في مصادره الشرعية، وإغلاق كل باب يدخل منه الفساد إلى التشريع أصولاً وفروعاً، وتنقية الفقه من الاجتهادات الضعيفة والفاسدة، وكذلك عندما يكون الفساد في الرجال أو طريقة توليهم للسلطة واستبدادهم بالحكم، يجب التصدي لهم لتقويم اعوجاجهم أو خلعهم من سلطانهم، وبذلك يحصل الإصلاح المنشود ولا يجوز التعدي إلى الأساس العقائدي الذي قام علية التشريع، وقام عليه النظام السياسي، لأن التعرض للأساس العقائدي والتشريع هو التغيير الجذري الذي يعمد إلى نسف الواقع من جذوره والإتيان بمبدأ جديد ومشروع حضاري بديل، ولا بديل في حالة الدولة الإسلامية إلا الكفر ونظامه .


فمن كان عنده مريض طلب له العلاج ولا يقوم بقتله، كما حدث مع الثورات التي قامت على الدولة الإسلامية، فألغت عقيدة النظام السياسي والتشريع برمته واستبدلت الخلافة الإسلامية بجمهوريات وملكيات، واستبدلت دستور الإسلام بدساتير وضيعة مأخوذة من عقيدة الغرب الكفار وتشريعاته التي قامت على أساس فصل الدين عن الحياة وأن المُشرِّع هو الإنسان وليس الله، فأورثت الأمة الذل والهوان وأوصلتنا إلى الوضع الراهن .


وحتى تتضح الصورة ويتم إدراك واقع الإصلاح والتغيير في الإسلام لا بد أن نستعرض أحوال الأمة الإسلامية عبر المحطات التي مرت بها:


المحطة الأولى:
وهي فترة النبوة والخلافة الراشدة على منهاج النبوة


المحطة الثانية:
فترة خلفاء بني أمية ومن جاء بعدهم من الخلفاء إلى نهاية الخلافة العثمانية


المحطة الثالثة :
وهي الفترة التي نعيش في يومنا هذا


وسنتعرض بإذن الله ونفصل حول هذه المحطات في الحلقة القادمة إن شاء الله، تابعونا،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


سعيد رضوان- أبو عماد

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع