الأحد، 20 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

أحداث الموصل ومشروع التقسيم الطائفي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هناك جدل واسع الانتشار، وهناك تساؤلات كثيرة حول مسألة توغل تنظيم الدولة وسيطرته على الموصل أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد ثم توجهه إلى تكريت، وهزيمة أقوى القوات العراقية وبشكل مخجل إضافة لهروب قيادات كبيرة بالملابس المدنية واستسلام جيش بأكمله إلى قوات البشمركة في شمال العراق.


إن انهيار الجيش العراقي الذي أُنفقت عليه المليارات، يعيد إلى ذاكرة العراقيين انهيار جيشهم عام 2003 إبان الاحتلال الأمريكي، لكن هذه المرة بوتيرة أسرع وأكثر دراماتيكية أمام أبناء البلد أنفسهم. ما أثار الكثير من التساؤلات عن سر وخلفيات تقدم تنظيم الدولة وانهيار الجيش بهذا الشكل، والتشكيك في قدرته على الدفاع عن البلاد وهو عاجز عن التمسك بمواقعه والدفاع عنها وعن ثكناته التي تركها غنيمة للتنظيم مع آلياته وأسلحته وكل معداته. وهو لم يحدث من قبل. كل هذه الأحداث الدرامية أذهلت المواطن العراقي وجميع المراقبين وتركهم في حيرة وذهول.


حيث استيقظ أهل الموصل يوم الثلاثاء 2014/06/10م على مشهد غريب لم يألفوه منذ سنوات مضت، الجيش الحكومي أصابه زلزال أو ربما تبخر واختفى.


هروب جماعي وبشكل غريب جدا لأكثر من ثلاثين ألف عسكري (وبعض المصادر تقدر العدد بأكثر من 50 ألف عسكري) كانوا يخنقون المدينة ويذيقونها أقسى أنواع التضييق والطائفية.


الملابس العسكرية برتبها المختلفة ألقيت في شوارع المدينة، وتم استبدال الملابس المدنية والـ "دشداشة" بها، توجهت هذه الآلاف إلى طريقين رئيسيين هما كردستان العراق ومنطقة تلعفر ذات الأغلبية الشيعية، في مشهد ذوبان عسكري.


هذا الهروب العشوائي للقوات الحكومية سبقه هروب قادة الجيش في محافظة نينوى بطائرات إلى إقليم كردستان، وهم قائد القوات البرية الفريق أول ركن علي غيدان، وقائد العمليات المشتركة الفريق أول ركن عبود كنبر، وقائد عمليات نينوى قائد الشرطة الاتحادية الفريق الركن مهدي الغراوي.


هذه التطورات وتقدم تنظيم الدولة يدفع إلى التساؤل فيما إذا كان التنظيم وحيدا في الساحة ويخطط لعملياته واستراتيجيته العسكرية والسياسية، خاصة وأن المساحة الشاسعة والمدن والبلدات التي يسيطر عليها والتهديد بمتابعة زحفه نحو العاصمة بغداد ومدن شيعية مقدسة مثل النجف وكربلاء، لا يتناسب مع قوته العسكرية والبشرية ولا مع استراتيجيته المعروفة. وهو ما يشير إلى وجود من يستغل أعمال التنظيم ويستخدم اسمه كواجهة لتحقيق أهدافه، ولا يخفى على الكثير من المتابعين للشأن العراقي أن أمريكا كانت على دراية بدخول التنظيم للموصل والحكومة العراقية كذلك لكنها لم تحرك ساكناً وهذا ما أكدهُ قائد القوات البرية السابق علي غيدان، في حديث لـ"السومرية نيوز" بتاريخ 27 كانون الأول 2014 حيث قال إن "أحداث الموصل جرت بتنسيق عالٍ مع أصحاب مخطط لتقسيم العراق الحقيقي والتشويش وصرف الانتباه وحصر ذلك بالجيش العراقي".


إن المشهد في العراق اليوم لا ينفك عن المشهد في سوريا وله ارتباطات كثيرة، حيث يرى الائتلاف السوري المعارض أن ما جرى في الموصل وصلاح الدين وديالى هو "مؤامرة" تحاك بين أطراف عدة هدفها القضاء على الثورة السورية.


وهذا ما قاله عضو الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري محمد خير الوزير "إن من يراقب الأحداث يجد أن فصلاً جديداً من فصول المؤامرة بين داعش ونظام الأسد والمالكي ضد الشعب السوري وثورته قد بدأ. فليس من قبيل المصادفة أن يتم تسليم مدينة الموصل من قبل قوات المالكي، وتسهيل عملية تحرير ما يقارب 2800 سجين، بالإضافة لتسهيل عملية السيطرة على مطار الموصل من قبل قوات داعش، واغتنامهم كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر بالإضافة لعدد من الطائرات المروحية. بنفس الوقت الذي تتجه فيه قوات تنظيم داعش لإحكام سيطرتها على المنطقة الشرقية من سوريا، بغية وصل الأماكن الخاضعة لنفوذ التنظيم".


ويؤكد الوزير أن سياسة تسليم المناطق الواسعة التي حدثت في سوريا تكرر نفسها في الموصل، ويذكر: "ما يقوم به المالكي يشبه إلى حد كبير ما قام به نظام الأسد من تسليم تنظيم "داعش" مناطق كثيرة بغرض استبعاد الجيش الحر ووأد الثورة. حيث عمد المالكي إلى تسليم "داعش" مناطق واسعة تسكنها أكثرية معارضة لنظامه للتهرب من المطالب المرفوعة من قبل الشعب العراقي في انتفاضته قبل عامين، والتي تركزت حول المشاركة السياسية ووقف التمييز على أساس طائفي، والتي رفض المالكي التعامل معها وأرسل قواته لقمعها."


إن استغلال أعمال تنظيم الدولة وتضخيمه إعلاميا له عدة أسباب تسعى أمريكا لتحقيقها على صعيد العراق والمنطقة، ومن هذه الأهداف إيجاد الذرائع والمبررات لأمريكا حتى تتعامل مع النظام الإيراني علانية، وبحجة التفاهم والتنسيق مع الدول المجاورة للعراق من أجل محاربة التنظيم، فتكون أمريكا قد شقّت الطريق نحو صياغة المنطقة والعراق من جديد على أسس طائفية وإثنية وإعطاء دور إقليمي بارز لإيران في قيادة ما يسمى "الهلال الشيعي"، وقد سبق أن قام السفير الأمريكي في العراق بمفاوضة الإيرانيين حول الحدود لأول مرة، وأيضا وبحجة التسليم بالواقع يتم قبول إيران النووية؛ وهذا بدا واضحًا في تصريحات سابقة لمصدر أمني "إسرائيلي" رفيع المستوى: (إنه لا يوجد أي قوة في العالم قادرة اليوم على قلب الأمور رأسًا على عقب بالنسبة للمخططات النووية الإيرانية ولا مناص من التسليم بالأمر الواقع). وقد بات من الواضح أن التنامي الكبير للقوة النووية الإيرانية وتشدّد حكامها في حق امتلاك القدرات النووية ما هو إلا بمباركة أمريكا.


هذا ما جعل الدكتور محمد عياش الكبيسي وهو مفكر إسلامي عراقي يطرح سؤالا يصفه بالمحوري: من يقف خلف كل هذا الذي حصل ويحصل في الموصل وما نتج عنه من أحداث؟


ويذكر في جوابه: هناك "التزام ما وفق خطة أوسع وأكبر من الواقع المنظور الآن" و"ربما تسعى إيران بالفعل لتحويل المناطق السنّية إلى (هلال إرهابي) يمتد من حلب والدير إلى الأنبار والموصل، وهي الكتلة السنّية الكبيرة التي تمثل العقبة الأخيرة أمام المشروع الإيراني، وبهذا تضرب إيران أكثر من عصفور بحجر".
وأهم الأهداف التي يخلص لها الكبيسي في هذا "الهلال الإرهابي" هي:


1- تأليب المجتمع الدولي والإقليمي وحتى العربي ضد هذه المنطقة ومحاصرتها سياسيا واقتصاديا ولوجستيا.


2- تحسين الوضع التفاوضي للإيرانيين مع الغرب، فإيران ستقدم نفسها كجزء أساس من الحل، بمعنى أنها تصنع المشكلة ثم تقدم الحل بالثمن الذي تريد.


3- إنهاء الثورة السورية.


4- الضغط على إقليم كردستان وإجبار القادة الكرد على تقديم تنازلات لحكومة بغداد.


لقد بات من الواضح أن أمريكا غير عازمة على إغلاق ملف ما يسمى "الإرهاب" حيث إن أوباما يتحدث على أن الحرب في العراق وسوريا ستستمر أكثر من ثلاث سنوات ورئيس أركان الجيوش الأمريكية مارتن ديمبسي حذر من أن هذه الحرب تحتاج إلى الوقت والصبر. أما رئيس الأركان الأسترالي السابق فراح يتحدث عن حرب المائة عام مع ما يسمى "الإسلام المتشدد" وكأن وجود ما يسمى "الإسلام المتشدد" أمر ضروري لتحقيق تماسُك المجتمع الأمريكي والأوروبي وبخاصة بعد زوال الخطر الشيوعي، كما شدد على ذلك برنارد لويس وصموئيل هانتيغتون، وبخاصة أن مفاهيم الرأسمالية العفنة تمعن تمزيقاً بكل أنسِجة المجتمع الغربي.


وبذلك يتواصل القصف الأمريكي على ثورة الإسلام، بكل أنواعه من أجل حصر الرقعة الجغرافية التي يغلب على سكانها أهل السنة بين العراق وسوريا، وجعلها فرناً يتم عزل أهل السنة وثورتهم ومشروعهم (الذي صرحت وهتفت به الثورة في سوريا كثيراً: خلافة على منهاج النبوة) فيه لحرقهم جميعاً بنار تنظيم الدولة، على أنها نظام الإسلام الذي ينادون به!

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
علي البدري - العراق

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع