- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
غزة... لونُ الدّم وريحُ المِسك
عندما أصيب المسلمون في معركة أحد، وخسروا سبعين منهم وكُسرت رباعيةُ الرسول عليه الصلاة والسلام وشُج وجههُ الكريم وأرهقه المشركون، وأثخِن أصحابه بالجراح، أنزل الحق سبحانه في حقهم قوله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، أي لا يصيبكم الضعف والحزن لما أصابكم ولما فاتكم وأنتم الأعلون؛ أنتم الأعلون بعقيدتكم، أنتم الأعلون بدينكم، أنتم الأعلون بمعية الله لكم. قال الفخر الرازي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "أنتم الأعلون لِأنَّ قِتالَكم لِلَّهِ وقِتالَهم لِلشَّيْطانِ، لِأنَّ قِتالَهم لِلدِّينِ الباطِلِ وقِتالَكم لِلدِّينِ الحَقِّ، وكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَكم أعْلى حالاً مِنهم، وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ بِالحُجَّةِ والتَّمَسُّكِ بِالدِّينِ والعاقِبَةِ الحَمِيدَةِ، وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ إنْ بَقِيتُمْ عَلى إيمانِكم". هكذا يبين الله سبحانه للمؤمنين أن ميزانهم ليس كميزان الكفار، وأعمالهم لا تقاس بالمقاييس الأرضية الوضعية.
نعم أصيبت غزة في جسدها وذهب الكثير من أهلها، ودُمرت منازلهم وسُويت بالأرض، ولكنها لم تُصب في دينها، خسرت الكثير من أبنائها ولم تخسر مبدأها، لأن الهزيمة أن تنحني أمام العدو، الهزيمة أن تذل لعدوك، الهزيمة أن تخسر مبادئك وتتنازل عن عقيدتك، الهزيمة أن تعطي الدنية في دينك، أما أن تخسر أرواحا وأموالا وبنيانا لأنك ثابت صابر مصابر فهذا هو النصر. النصر أن تقف شامخا ثابتا كالجبال متعاليا بدينك معتزا بربك حتى لو فقدت حياتك. وإننا نشهد لأهل غزة بأنهم صبروا وثبتوا ورابطوا وجاهدوا ولم يعطوا الدنية في دينهم، وحملوا من أجل دينهم ما لم تحمله الجبال الراسيات، ولا نزكي على الله أحدا، فاللهم تقبل أعمالهم وشهداءهم وآجرهم على بلواهم.. أنت رب المستضعفين.
عندما طُعن حرام بن ملحان يوم بئر معونة برمح من خلفه حتى أنفذ من صدره قال: "فُزتُ وربّ الكعبة"، وعندما أُلقي أصحابُ الأخدود في الخندق وقتلوا وأبيدوا عن بكرة أبيهم، قال فيهم رب العزة: ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾.
نعم، أصيبت غزة، ولكنها كشفت خيانة الخائنين، وتآمر الساقطين من حكام وعملاء وسقط المتاع...
أصيبت، ولكنها أسقطت هيبة الدولة الأولى في العالم وربيبها كيان يهود اللقيط.
أصيبت، ولكنها صمدت لأعتى آلة حربية على وجه الأرض، صمدت لقنابل أمريكا الذكية والغبية، صمدت لطائرات القتل والدمار، صمدت لقوات النخبة في كيان يهود، فأذلت رؤوسهم وأهانت كرامتهم.
أصيبت، ولكنها أظهرت وجه يهود القبيح أمام العالم فلم يعد لهم من نصير بين الأمم سوى أعوانهم من أنظمة وحكومات مجرمة.
أصيبت، ولكنها صمدت لخيانة "الأصدقاء" وخَوَر "الحلفاء" وطعن الجيران وخذلان "الناصرين".
أصيبت، ولكنها أسقطت القناع عن وجه النظام الدولي القبيح ليظهر تحيزه وظلمه ووحشيته للقاصي والداني.
أصيبت بقرح، وأصابت القوم بقرح عميق، لم تستطع كل الأنظمة المحيطة - على مدار عقود - أن تصيبهم بشيء مما فعله أهل غزة.
أصيبت نعم، ولكن الله اختار من أهلها شهداء ﴿وَیَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ﴾ عسى أن يتقبلهم عنده في عليين.
أصيبت غزة، ولكنها انتصرت...
انتصرت، ولكن بقيت الثكالى والأرامل، بقيت دماء الشهداء وجراح المكلومين نازفة دون معين.
عندما أغار بنو بكر (حلفاء قريش) على خزاعة حلفاء النبي عليه الصلاة والسلام وقتلوا وذبحوا ونكّلوا فيهم، ماذا رد رسول الله ﷺ على هذا العدوان؟ قال لزعيم خزاعة: «نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ» ونصره وأخذ بثأره ورد الحق لأهله وفتح على أثرها مكة.
يا أمة المليارين: إن غزة قطعة منكم، فمن لثاراتها؟ من لثارات الشهداء والجرحى والأرامل؟
لقد احترقت غزة لتضيء لكم الطريق، لقد قدمت ما قدمت من تضحيات لتسيروا على دربها فلا تخذلوها!
يا جيوش المليارين: لن يُضمد جُرح غزة إلا سواعدكم، ولا يأخذ لها بثأرها إلا رجالكم، فلا تتركوا دماءها تذهب سدى.
ألا إن زرع الخير الذي رأيناه في غزة لا بد أن يثمر يوما بإذن الله، وإن ثماره لا تزهر إلا في ظل الإسلام، وإن زرع الباطل في الأرض المباركة قد نما وآن حصاده، ولا تحصده إلا يد الإسلام، فاللهم هيئ لهذه الأمة أياديَ طاهرة ترعى ثمار الخير وتحصد زرع الباطل.
اللهم مُنّ على هذه الأمة بالنصر والتمكين لتحمل رسالتك ورحمتك للعالمين.
﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
خالد علي – أمريكا