هجرة الرسول ﷺ تأسيس دولة

إن أي مجموعة بشرية لا يمكنها التعايش بغير منظم للحياة، أي بغير قانون يكون نابعا من تقاليد وأعراف أو بحسب فلسفة معينة عن الكون والإنسان والحياة.

وقد بعث الرسول ﷺ بعقيدة الإسلام؛ تصور شامل عن الحياة وعما قبلها وبعدها والعلاقة بينهم، وبذلك كانت وجهة نظر المسلمين عقيدة روحية سياسية وليست عقيدة كهنوتية كما يراد لها أن تكون من طرف الشق العلماني، المتربي في أحضان المستعمر الصليبي، الذي يفصل الدين عن الحياة،

وهجرة رسول الله ﷺ، أصبحت تأريخا للمسلمين منذ عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت انقلابا شاملا للبشرية قاطبة، هي ذكرى قيام دولة الإسلام وترسيخ لدولة القانون التي هي كيان تنفيذي لمجموع المفاهيم والمقاييس والقناعات المتبناة..

لقد كانت الهجرة بعد أن تبلورت المفاهيم العامة لدى حزب الرسول ﷺ ووجدت رجالات الدولة، التي جعلت من وجهة نظر الإسلام المنبع المزود للحلول والمعالجات المحددة لعلاقات الناس من جميع نواحيها، سواء في السياسة الداخلية والاقتصادية والاجتماعية أو من حيث بناء الدولة الصناعية أو في السياسة الخارجية، بجعل دولتهم الأولى في العالم، منافسة ومتحدية لدولتي الروم والفرس، وقائدة للعالم على أساس الرحمة، لا على أساس الاستعمار واستعباد الشعوب ونهب ثرواتهم وخيراتهم.

كما أن ذكرى الهجرة وبناء الدولة يرتبط ارتباطا وثيقا ببيعة العقبة الثانية وسميت أيضا ببيعة الحرب. هي حدث مفصلي. دل على أن أصل الحرب في الإسلام موكول إلى الدولة وليس موكولا إلى أفراد ولا إلى جماعات ولا هو من مهام الأحزاب السياسية...

وما محاولات قريش لمنع الرسول ﷺ، من الهجرة إلى حد السعي لقتله إلا لإدراكها أن المدينة ستكون الحاضنة للانتقال من النظري إلى العملي التطبيقي، وهو ما كان فعلا، فقد بنى الرسول ﷺ مسجدا وجعله الدائرة التي تدور حولها حياة الناس، فكان رمز الحكم والقيادة والسياسة، ففيه تعقد ألوية الجند وتفصل الخصومات وتعقد الصفقات...

لقد كانت المدينة فعلا الحاضنة لدولة الإسلام وجد فيها المجتمع الإسلامي المتميز، تسوده أفكار إسلامية وتطبق فيه أنظمة الإسلام على الناس في معاملاتهم وسائر حياتهم، آخى ﷺ بين المهاجرين والأنصار ورعى خصوصيات من بقوا على دينهم في مطعوماتهم وملبوساتهم وزواجهم وطلاقهم، بحسب أديانهم، فلا وجود لأقليات ولا للاجئين أو طوائف كما هو الحال اليوم في ظل النظام العلماني.

حصَّن المدينة حمايةً للدولة ولم يجعلها سجناً كبيرا، وجعل الأمن في خدمتها وليس سيفاً مسلطا على رقاب الناس يحصد من أبدى رأيا مخالفا للحاكم.

إن وصول النبي ﷺ للمدينة يوضح لنا معنى الهجرة بثلاثة أمور وهي: بناء المسجد وتعيين الوزراء وتجهيز الجيش،، وتقصّده لأهل النصرة هو لقيام كيان، فالأمر ليس إيمانا وكفرا وإنما هو أمر دولة.

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سليم بن صميدة - تونس