- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
خطاب الله سبحانه وتعالى حول الأدلة المحيطة بنا المتعلقة بالخلق
(مترجم)
عمل الخلق:
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى العديد من الآيات الكريمة التي تدعو البشر للتأمل في كل ما يحيط بهم، والتفكر في طبيعتهم، كدلالة على عمل الخالق. وقد نزلت العديد من هذه الآيات في السنوات الثلاث الأولى من الوحي. ومن خلالها، قام رسول الله ﷺ بتثقيف الصحابة الكرام رضي الله عنهم في الحلقات التي كانت تُعقد في دار الأرقم. لقد كانت هذه الآيات التي تتناول موضوع الخلق هي الأساس الذي رسخ الإيمان العميق في الصحابة رضي الله عنهم، حتى أصبحوا أعظم القرون وأفضلها على مر العصور، ليبقوا كذلك حتى يوم القيامة.
وبما أن الدراسة العميقة المستنيرة للوحي كانت أساس سياسة التعليم في دولة الخلافة، فقد كانت الأمة الإسلامية على دراية بمعاني القرآن المتعلقة بخلق الكون والإبداع فيه. وقد كانت هذه الآيات هي الأساس لترسيخ وتثبيت الفتوحات الإسلامية. لقد عمل المسلمون على استخدام هذه الآيات لدعوة أعداد هائلة من الناس وإقناعهم باعتناق الإسلام. فقد وصل الأمر إلى أن أي مسلم كان قادرا على إقناع غير المسلمين وجعلهم يعتنقون الإسلام. كمثال على ذلك، دخل الإسلام إندونيسيا - التي تعتبر أرضا عشرية - من خلال دعوة المسلمين الذين كانوا يتاجرون مع سكانها.
وهنا يصبح من الضروري فحص هذه الآيات بعناية والنظر فيها بعمق من أجل الاستفادة من الحِكم الواردة فيها، في وقتٍ نرى فيه بوضوح كيف أن الكثير من الناس يتعرضون للتضليل والخداع من الملحدين لحرفهم عن الحق. وفي الوقت نفسه نجد العديد من الناس الذين يبحثون عن الإجابة الصادقة المقنعة للعقل والموافقة للفطرة والتي تجيب على تساؤلاتهم المتعلقة بالوجود والخلق من حولهم. إنها فرصة للمسلمين الذين يعيشون في الغرب بين غير المسلمين، كما أنها فرصة للمسلمين في البلاد الإسلامية، حيث جعلت وسائل التواصل الإلكتروني التواصل عبر المسافات الطويلة ممكناً. وعند عودة الخلافة قريبا بإذن الله سوف تقوم بدعم وتشجيع هذا الأمر الذي يتم حاليا بشكل فردي.
نظام دقيق:
قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله ﷺ عندما قرأ هذه الآية قال: «وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا» رواه السيوطي في الدر المنثور.
وهكذا، يدعو الله سبحانه وتعالى البشرية إلى التأمل في كل ما يحيط بها. عندما يتأمل الإنسان في الخلق ويتفكر فيه بعمق يدرك أن وراءه نظاماً دقيقاً يحكم جميع المخلوقات في هذا الكون. جميع المخلوقات من حولنا، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، خفيفة أم ثقيلة، تخضع لحدود دقيقة تحكمها باستمرار وتسير وفق قوانين مفروضة لا تتجاوزها ولا تحيد عنها.
وبالفعل، فإن هذه الكائنات محدودة بشكل واضح في جميع عناصرها وتحركاتها، بل لا يخرج ولا يزلّ جزء من هذه العناصر عن هذا النظام الدقيق المتقن. تأمل السماء والأرض، وتأمل النجوم والكواكب، كيف يسير كل منها في مدار وفق نظام دقيق، على الرغم من كتلتها وحركتها، فإنها لا تحيد عن مسارها أبدا. أليس هذا نظاماً دقيقاً، ذا علاقات ومقادير محددة؟ تأمل الليل والنهار وتعاقبهما، تأمل اختلافهما في أطوالهما، وظروفهما، وظلمتهما، ونورهما وإضاءتهما، تأمل في تأثيرهما على النوم والنشاط للمخلوقات، ألا يظهر لنا بوضح النظام الدقيق الذي يحكم الليل والنهار؟
تأمل في السفن والبحار، علّق الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ﴾ الفلك هي السفن التي تسير في البحار: السفن بجميع أنواعها، وأضاف: "تجري على وجه الماء ووقوفها فوقه مع ثقلها". بالفعل، هناك تنظيم دقيق يتعلق بالماء والسفينة، بحيث تطفو السفينة مع أنها ثقيلة، بينما يغرق جسم آخر له الكتلة نفسها. ثم هناك الماء الذي ينزل مطراً من السماء إلى الأرض، فيحيي الأرض بعد موتها، فتكتسي الأرض بالخضرة بعد أن كانت يابسة مصفرة. ثم هنالك الحيوانات التي تنتشر على الأرض، تتكاثر وتتناسل وتعيش على ما تخرجه الأرض بفضل الماء الذي ينزل عليها، ثم هناك الرياح التي تهب وتحرك السحب، فتوزع المطر هنا وهناك وفق نظام وترتيب محدد لا يتخلف. وقد ذكر الإمام القرطبي في تفسيره: "فسأله ابن عباس: هل سمعت كعب الأحبار يقول في السحاب شيئاً؟ قال: نعم، قال: السحاب غربال المطر، لولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه من الأرض".
عندما نتأمل جميع المخلوقات من حولنا نستطيع أن نرى بوضوح أن هناك نظاماً مُحكماً لا فوضى فيه ولا اضطراب، ولا انحراف عن المدار، فلا يمكن أن تجد مكانا مخضرا بلا ماء، ولا يمكن أن تجد في يوم ما بحرا في غير موضعه، ولم يحصل أن هبت رياح في مرة مثلا في وقت غير مناسب، إنه نظام ثابت ومحكم، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ﴾. وقد علّق ابن كثير قائلاً: "أي: بل هو مصطحب مستو، ليس فيه اختلاف، ولا تنافر، ولا مخالفة، ولا نقص، ولا عيب، ولا خلل"، فهذا الخلق صنع بشكل مُتقَن لا عيب فيه، صناعة مترابطة بحيث تشكل بناءً مستوياً، لا انفصال فيه أو تناقض، لا نقص فيه ولا عيب ولا خلل.
التكييف والتقدير
إن التفكر في حال المخلوقات من حولنا يرينا بشكل لا لبس فيه بأنها تخضع لنظام مثالي ودقيق لا خلل فيه، فجميع الكائنات تسير وفق نظام متشابك من حيث التكييف والتقدير، فكل كائن يعتمد على كائن آخر أو أكثر في وجوده، فالنباتات على سبيل المثال، تعتمد على الماء وضوء الشمس لتنمو وتعيش فهي محتاجة لغيرها ناقصة بدونه، وضعيفة بطبيعة الحال لأنها بحاجة إليه. وهذا الاحتياج ليس عشوائيا، بل إنه مضبوط وفق مقدار ونسبة محددة لا يتجاوزها ولا يحيد عنها، وهذا الأمر يتجلى في كل ما يحيط بنا، فمثلا يحتاج النبات إلى كمية محددة من ضوء الشمس حتى ينمو ويزدهر، فإذا قلّت فإنه يذبل وإذا زادت، فإنه يحترق.
أما بالنسبة للماء، فإننا نجد أن بعض المحاصيل تنمو بشكل أفضل مع كميات وفيرة من الماء حيث تناسبها السيول، بينما تكون الكمية نفسها ضارة لمحاصيل أخرى، ما يؤدي إلى تدمير كامل للحصاد، حتى في المحصول نفسه، قد يكون المطر مفيداً في مرحلة معينة من نموه، ما يؤدي إلى نضوجه، ولكنه في مرحلة أخرى قد يتسبب في انهيار المحصول الناضج. وخذ مثالا آخر بالنسبة للماء، فإن غليانه يعتمد على الحرارة وفق نسبة معينة، وهذا بالطبع جزء من النظام المحكم الذي يتضمن تكويناً محدداً وتقديراً دقيقاً لكل شيء.
إنه من الواضح أن جميع المخلوقات خاضعة لنظام محدد فرض عليها من قوة خارج نطاقها، فليست هي التي أوجدت هذا النظام لنفسها، فلو كانت هي التي فعلت ذلك، لكانت قادرة على تغيير النظام حسب إرادتها، وهو أمر لم يحدث قط. فخذ الماء على سبيل المثال، فهو يغلي عند ضغط معين ودرجة حرارة محددة بدقة، لا يستطيع الماء ولا الحرارة التحكم في القانون الذي يحكم الغليان أو حتى في مقدار الحرارة اللازمة له، كما أن الماء لا يستطيع أن يبدأ الغليان بنفسه دون حرارة، أو عند أي درجة حرارة، فالمقدار الدقيق للحرارة اللازمة لا يتغير ولا يتبدل مهما كان فهو منظم بطريقة محددة، بالتأمل في هذه الحال نصل إلى يقين قاطع بأن المخلوقات من حولنا لا تبتكر ولا تستطيع تنظيم النظام الذي تخضع له، بل إن هناك مُنظما لهذا النظام، وهو ليس مما نحسه بشكل مباشر، وهو الخالق، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾.
المدبر هو أحد أسماء الله تعالى، ذكر الإمام القرطبي في تفسيره (فهذا من أدل دليل على المدبر البارئ) في اللغة، المدبر هو أحد أسماء الله سبحانه وتعالى، ومعناه: (الذي يُجري الأمور بحكمته ويصرّفها على وفق مشيئته وعلى ما يوجب حُسن عواقبها) والبارئ هو أيضاً أحد أسماء الله سبحانه وتعالى، ومعناه: (واهب الحياة للأحياء، والسَّالم الخالي من أيِّ عيب).
علّق الإمام أبو حنيفة رحمه الله على مسألة تدبير العالم قائلا كما ورد عن ابن أبي العز: (وَيُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ قَوْماً مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ أَرَادُوا الْبَحْثَ مَعَهُ فِي تَقْرِيرِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ فَقَالَ لَهُمْ: أَخْبِرُونِي قَبْلَ أَنْ نَتَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ سَفِينَةٍ فِي دِجْلَةَ تَذْهَبُ فَتَمْتَلِئُ مِنَ الطَّعَامِ وَالْمَتَاعِ وَغَيْرِهِ بِنَفْسِهَا وَتَعُودُ بِنَفْسِهَا فَتُرْسِي بِنَفْسِهَا وَتَتَفَرَّغُ وَتَرْجِعُ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدَبِّرَهَا أَحَدٌ. فَقَالُوا: هَذَا مُحَالٌ لَا يُمْكِنُ أَبَداً. فَقَالَ لَهُمْ: إِذَا كَانَ هَذَا مُحَالاً فِي سَفِينَةٍ فَكَيْفَ فِي هَذَا الْعَالَمِ كُلِّهِ عُلْوِهِ وَسُفْلِهِ؟!) (شرح العقيدة الطحاوية 1-35)
وفي هذا السياق تحدث الإمام ابن حنبل رحمه الله عن "الصانع"، حيث قال الله سبحانه: ﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾، كما ورد عن ابن كثير (عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله أَنَّهُ سُئِلَ وُجُودِ الصَّانِعِ فَقَالَ: هَا هُنَا حِصْنٌ حَصِينٌ أَمْلَسُ لَيْسَ لَهُ بَابٌ وَلَا مَنْفَذٌ ظَاهِرُهُ كَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ وَبَاطِنُهُ كَالذَّهَبِ الْإِبْرِيزِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذِ انْصَدَعَ جِدَارُهُ فَخَرَجَ مِنْهُ حَيَوَانٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ذُو شَكْلٍ حَسَنٍ وَصَوْتٍ مَلِيحٍ يَعْنِي بِذَلِكَ الْبَيْضَةَ إِذَا خَرَجَ مِنْهَا الدَّجَاجَةُ) (تفسير ابن كثير 2-21).
كما علق الإمام الشافعي رحمه الله على مسألة وجود "الصانع" كما ورد عن ابن كثير (هَذَا وَرَق التُّوت طَعْمه وَاحِد تَأْكُلهُ الدُّود فَيَخْرُج مِنْهُ الْإِبْرَيْسَم وَتَأْكُلهُ النَّحْل فَيَخْرُج مِنْهُ الْعَسَل وَتَأْكُلهُ الشَّاة وَالْبَقَر وَالْأَنْعَام فَتُلْقِيه بَعْراً وَرَوْثاً وَتَأْكُلهُ الظِّبَاء فَيَخْرُج مِنْهَا الْمِسْك وَهُوَ شَيْء وَاحِد) تفسير ابن كثير.
وفي الجواب على أولئك الذين نسبوا هذا الخلق وهذا التنظيم إلى الطبيعة نفسها يقول ابن القيم (أخبريني عَن هَذِه الطبيعة أهي ذَات قَائِمَة بِنَفسِهَا لَهَا علم وقدرة على هَذِه الأفعال العجيبة أم لَيست كَذَلِك بل عرض وَصفَة قَائِمَة بالمطبوع تَابِعَة لَهُ مَحْمُولَة فِيهِ؟ فَإِن قَالَت لَك بل هِيَ ذَات قَائِمَة بِنَفسِهَا لَهَا الْعلم التَّام وَالْقُدْرَة والإرادة وَالْحكمَة فَقل لَهَا هَذَا هُوَ الْخَالِق البارئ المصور فَلم تسمينه طبيعية) (مفتاح دار السعادة 1-261)
على أنه من البديهي أن ما يحمل سمات التصميم لا بد له من مصمم، ورد عن ابن القيم قوله (وَإِن قَالَت تِلْكَ بل الطبيعة عرض مَحْمُول مفتقر إلى حَامِل وَهَذَا كُله فعلهَا بِغَيْر علم مِنْهَا وَلَا إِرَادَة وَلَا قدرَة وَلَا شُعُور أصلا وَقد شوهد من آثارها مَا شوهد فَقل لَهَا هَذَا مَا لا يصدقهُ ذُو عقل سليم كَيفَ تصدر هَذِه الأفعال العجيبة وَالْحكم الدقيقة الَّتِي تعجز عقول الْعُقَلَاء عَن مَعْرفَتهَا وَعَن الْقُدْرَة عَلَيْهَا مِمَّن لَا عقل لَهُ وَلَا قدرَة وَلَا حِكْمَة وَلَا شُعُور؟) (مفتاح دار السعادة 1-261).
ولكن الحقيقة التي لا لبس فيها أن المخلوقات والنظام الذي يحكمها كلها من إبداع وخلق شيء غير محسوس خارجها. فكيف يجرؤ أولئك الذين يزعمون أن الأسباب المادية في المادية الجدلية، على قول ذلك؟!
خلق الله سبحانه وتعالى الخلق، وليس كمثله شيء:
قال سبحانه وتعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾. علّق الإمام ابن كثير على هذه الآية قائلاً: (أي: أوجدوا من غير موجد؟ أم هم أوجدوا أنفسهم؟ أي: لا هذا ولا هذا، بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا)، يقال في اللغة (خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ: أَوْجَدَهُ مِنَ العَدَمِ، أَنْشَأَهُ، صَوَّرَهُ).
خلق الله سبحانه وتعالى الخلق وهو ليس كمثله شيء من خلقه، فهو أعظم من هذا الكون، هو الأزلي المستقل بذاته الذي ليس له بداية ولا نشأة. في اللغة، يُقال عن الأزلي: "الأَزَلِيُّ ما لا أَوّل له"، أي ما لا بداية له ولا موجد له، ويُقال أيضاً: "الخَالِدُ الدَّائِمُ الوُجُودِ لاَ بَدْءَ لَهُ"، أي الموجود دائماً بلا نشأة، وبذلك فإن الأزلي لا يحتاج إلى مُنظِّم أو مُبدِئ لأنه لم يُوجد أصلاً.
الله سبحانه وتعالى هو الأزلي، فهو موجود دون أن يكون مخلوقاً، بينما كل ما نراه أو نشعر به من كائنات حولنا مخلوق وخاضع لنظام محكم، فهذا الكون بكل ما فيه موجود من العدم وهذه المخلوقات المحسوسة لا تملك القدرة على الإيجاد أو الإبداع من العدم، سواء بشكل فردي أو جماعي، حتى لو تكاملت فيما بينها، فإنها تبقى غير قادرة على الإيجاد من العدم، وهذا أمر واضح لا نقاش فيه، فكيف يجرؤ بعد ذلك أولئك الذين يزعمون أن الكون أزلي على قول ذلك؟!
إن الأدلة على وجود الله سبحانه وتعالى تظهر في كل كيان محسوس حولنا، فجميع المخلوقات عاجزة ناقصة معتمدة على غيرها ومحتاجة له، بل إنها تعتمد على تشكيل دقيق مفروض عليها، كما أن اعتمادها هذا مضبوط وفق نسب محددة بمقادير وأبعاد معينة، لذلك، فإن كون المحسوسات من حولنا مخلوقة هو أمر قطعي لا لبس فيه، لأن اعتمادها يعني أنها مخلوقة لغيرها، وليست مخلوقة من نفسها. وهكذا، فإن جميع المخلوقات التي ندركها تُعد علامات واضحة على وجود الله سبحانه وتعالى، الذي لولاه لما وجد هذا الكون، في حين إنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء مما خلق، فهو أزلي لا حدود له، لا أول له ولا آخر. قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مصعب عمير – ولاية باكستان