- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
معالم سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط.. والسودان بخاصة
لعل السؤال البديهي الذي ينشأ هو لماذا الحديث عن سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط؟
إن ترامب هو الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، أي هو رئيس الدولة الأولى في العالم، ومن أسس الفهم السياسي للموقف الدولي، أي هيكل العلاقات الدولية المؤثرة، إدراك أنه في حالة السلم تعتبر الدولة الأولى هي صاحبة الكلمة دوليا وتستوي في الموقف الدولي بعد ذلك، أي دولة أخرى، لذلك كانت سياسة ترامب هي مادة السياسة الدولية حاليا.
ولما كانت سياسة ترامب تدور حول شعاره الانتخابي؛ إعادة أمريكا عظيمة مجددا، وعظمة أمريكا لا تقتضي حل أي من مشكلات العالم، وإنما تحقيق مصلحة أمريكا، من خلال إدارة هذه المشكلات، كما عبر عن ذلك هنري كيسنجر في كتابه الدبلوماسية، حيث قال "ليس من مصلحة أمريكا حل أي مشكلة في العالم، لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط أي مشكلة وتديرها".
أما الشرق الأوسط فيقصد به المنطقة العربية، وتركيا، وإيران، وجميعها بلاد مسلمين.
وتتحكم أربعة محددات أساسية، في سياسة الدول الغربية الاستعمارية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وهذه المحددات، أي العوامل هي: الإسلام، والموقع الاستراتيجي، وكيان يهود، والنفط.
ولما كانت دويلة يهود المزروعة في فلسطين، هي محور قضية الشرق الأوسط، بوصفها خط الدفاع المتقدم عن الغرب الكافر المستعمر، ولكنها أصبحت سببا لعدم الاستقرار، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في العالم كله، باعتراف الغربيين أنفسهم، الذين أقروا بأن 90% من مشاكل البلاد الإسلامية، التي تؤرق الغرب، إنما ترجع إلى وجود الكيان اللقيط، بناءً على توصيات مؤتمر كامبل بانرمان، وهو تسمية للمؤتمر الاستعماري الذي انعقد في لندن في الفترة (1905- 1907م)، بهدف إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية. وقد ضم الدول الاستعمارية في ذلك الوقت: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا. وتنصُّ على أن المؤتمرين خرجوا في النهاية بوثيقة سرية سموها (وثيقة كامبل)، نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، هنري كامبل بانرمان، وقال بعض الكتاب والمفكرين إنه "أخطر مؤتمر يتعلق بمستقبل الأمة الإسلامية، وكان هدفه الحيلولة بين الأمة والوحدة مرة أخرى، من خلال إيجاد حالة من عدم الاستقرار، وذلك بزرع كيان يهود بمثابة السرطان للمسلمين، والواجب اجتثاثه قبل أن ينتشر في جسد الأمة الإسلامية".
ويختلف المؤرخون في انعقاد المؤتمر من عدمه، لكن ما خرجت به الوثيقة يمثل فعلاً سياسة المستعمرين تجاه الشرق الأوسط.
إن أبرز معالم سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط ومنه السودان هي:
أولا: إظهار قوة قيادته، وتفرده عن غيره، من الذين سبقوه بالجلوس في كرسي البيت الأبيض، لذلك بدأ ترامب سياسته بسحر حكام العالم، وحكام المنطقة، ليوهمهم أنه صاحب قدرات خرافية، على تحقيق ما عجز عنه سلفه بايدن، فيقول متهكما بحسب ما نشرته الجزيرة في اليوم الرابع لأدائه القسم: "إن إدارته أنجزت في أربعة أيام، أكثر مما أنجزته إدارة الرئيس السابق جو بايدن خلال 4 سنوات، مؤكداً، لولا إدارته لما أبرم اتفاق وقف إطلاق النار في غزة هذا الأسبوع". ومن إظهاره للقوة أنه وفي يومه الأول، قام بتوقيع 100 أمر تنفيذي، تراوحت بين العفو عن المشاركين في اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني/يناير 2021م، ورفع عقوبات أقرّها سلفه جو بايدن، على مستوطنين يهود، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، ومن منظمة الصحة العالمية.
ثانياً: الصراحة، والجرأة في توضيح الأهداف السياسية، وهذه حالة ليست معتادة في العمل السياسي، وقد يكون مصدرها هو إساءة تقدير القوة الحقيقية لخصومه، لأن الأصل في السياسة هو إخفاء الأهداف، وإبراز الأساليب والوسائل، وبالنسبة لأمريكا، فإن الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يسعى كلاهما لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية، فمثلا ترامب لا يخفي أهدافه، بل يقولها صريحة، بخلاف سلفه السابق بايدن، ومن ذلك أن بايدن يوهم الناس بأن أمريكا تعمل على تنفيذ مشروع حل الدولتين، ولكنه كان لفظاً دون معنى! فقد نشرت الجزيرة على موقعها في 4/1/2024: (قال الرئيس الأمريكي جو بايدن أمس الجمعة، إن هناك عدداً من الأنماط لحل الدولتين مشيراً إلى أن دولاً عدة في الأمم المتحدة ليس لديها قوات مسلحة خاصة بها... الجزيرة 4/1/2024) أي أن بايدن يشير إلى دولة من تلك الأنماط، دون قوات مسـلحة! إلا أن ترامب ذكر حقيقة مسعاه دون إيهام الناس.. فصرح أثناء حملته الانتخابية قائلا: (عندما أنظر إلى خريطة الشرق الأوسط أجد إسـرائيل بقعة صغيرة جدا. في الحقيقة قلت هل من طريقة للحصول على المساحات؟ إنها صغيرة جدا... سكاي نيوز 19/8/2024)، ومعنى ذلك أنه يريد توسيع كـيان يـهود بمشروعية المسـتوطنات في الضفة الغربية، وإطلاق يدهم في الاستيلاء على أراض، وإقامة مسـتوطنات جديدة عليها.
ثالثاً: إرهاب الحكام العملاء، وابتزازهم ماليا، أو بمصالحهم، ولا سيما وجودهم على كرسي الحكم، فهو لا يقر بأن وجود هؤلاء الحكام هو نعمة لأمريكا، نقمة على الشعوب! وكان ترامب قد طلب بخبث، مازحا، إنّ تعهدات مالية كبيرة قد تقنعه بأن تكون السعودية مجددا أول بلد يزوره. وقال ترامب "فعلت ذلك مع السعودية في المرة الماضية لأنها وافقت على شراء ما قيمته 450 مليار دولار من منتجاتنا". وتابع مازحا إنه سيكرر الزيارة "إذا أرادت السعودية شراء 450 أو 500 مليار دولار أخرى (...) فسوف نزيدها بمواجهة التضخم".
وفور ذلك أعلن محمد بن سلمان عن رغبة بلاده في استثمار 600 مليار دولار في أمريكا، حيث ذكرت وكالة الأنباء السعودية في وقت سابق، أن المملكة تريد ضخ 600 مليار دولار في استثمارات، وأنشطة تجارية موسعة، مع الولايات المتحدة على مدى الأعوام الأربعة المقبلة.
ليعود ترامب ويرفع من سقف ابتزازه! ففي كلمته للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، عبر تقنية الفيديو قال: "لكنني سأطلب من ولي العهد، وهو رجل رائع، زيادتها إلى نحو تريليون دولار". وأضاف "أعتقد أنهم سيفعلون ذلك لأننا كنا جيدين للغاية معهم".
ولم يكتفِ بذلك، بل، وفي إطار سياسة الإرهاب والابتزاز، يحمّل السعودية المسؤولية عن استمرار حرب أوكرانيا! حيث طلب ترامب من السعودية خفض أسعار النفط، قائلا إن ذلك قد يسهم في إنهاء حرب روسيا على أوكرانيا. وتابع الرئيس الأمريكي "إذا انخفضت الأسعار، فستنتهي حرب روسيا وأوكرانيا على الفور. الأسعار مرتفعة بما يكفي الآن لتستمر الحرب، عليكم خفض سعر النفط". وأضاف "كان يجب أن يفعلوا ذلك منذ فترة طويلة. إنهم مسؤولون للغاية، في الواقع، إلى حد ما عما يحدث". ليسارع حكام السعودية لتنفيذ أوامر ترامب بالسعي لاتخاذ إجراءات لخفض أسعار النفط، بزيادة الإنتاج، ومن ذلك ما ذكره موقع عربي 21، ما كشفته كازاخستان، الأربعاء 29/01/2025، عزم مجموعة أوبك+، التي تضم كبار منتجي النفط، مناقشة جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لزيادة إنتاج النفط في الولايات المتحدة، مشيرة إلى أنه سيتم اتخاذ موقف مشترك بشأن هذا الموضوع. وتعتزم المجموعة بدء زيادة إنتاج النفط في نيسان/أبريل المقبل، كجزء من خطة لإلغاء تدريجي للتخفيضات التي كانت قد فرضتها سابقاً، رغم أن هذه الخطة قد تأجلت عدة مرات بسبب ضعف الطلب. وأشارت وكالة رويترز، إلى أنه من المتوقع أن تعقد أوبك+ اجتماعاً للجنة المراقبة الوزارية المشتركة في الثالث من شباط/فبراير.
رابعا: تبني مصلحة كيان يهود، ومن ذلك أن ترامب في فترتي رئاسته، يتبنى مصالح يـهود، حتى إن القرارات الدولية، التي وضعتها أمريكا، والدول الكبرى الأخرى، وكانت أمريكا تلاحق الدول التي تخالف هذه القرارات، قام ترامب بنـسف هذه القرارات المعارضة لمصالح يـهود، فقد نسف قرارات الأمم المتحدة، التي تعتبر الضفة الغربية أرضا محتلة، لا يحق لكـيان يـهود الاسـتيطان فيها، بل عليه الانسحاب منها إلى حدود 4 حزيران يونيو1967م. كما نسف قرارات الأمم المتحدة بشأن القدس الشرقية، بأنها فلسطينية محتلة، وكذلك نسف قراراتها المتعلقة بهضبة الجولان، بأنها أرض سورية محتلة، واعترف بمشروعية قرار كـيان يـهود بضم القدس، والهضبة. وذلك يؤكد أنه سيقر بمشروعية المسـتوطنات، وما استولى عليه يـهود حتى الآن في الضفة الغربية، والسماح لإقامة مزيد من المسـتوطنات أو توسيعها. وقد بدأ ذلك عندما أصدر عفوا عن المستوطنين الذين فرضت عليهم عقوبات على عهد بايدن.
وسيواصل ترامب خطته في تركيز كـيان يـهود، بجعل باقي دول المنطقة تقوم وتطبع مع هذا الكـيان، لتقر بمشروعيته، واغتصابه لفلسطين، ومن الدول المرشحة لذلك الســعودية، خاصة وأن ارتباط ولي العهد السعودي، هو ارتباط قوي بترامب، الذي يتابع بقوة، تطبيع الكـيان مع الســعودية، وقد لا يتأخر ذلك، فانصياع النظام السـعودي تماما لما تريده إدارة الجمهوريين برئاسة ترامب، يدركه كل صاحب بصر وبصيرة، فقد أعلن ترامب يوم 23/1/2025 أن ("السـعودية ستستثمر 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، وسأطلب إيصالها إلى تريليون دولار"... الحرة الأمريكية 23/1/2025)، وذكر أن ذلك تم في الاتصال التلفوني مع ولي العهد السـعودي، ابن سلمان، مساء الأربعاء 22/1/2025. أي أنه بمجرد تلفون واحد انصاع حاكم السـعودية الفعلي فورا لطلب الرئيس الأمريكي، بأن يقوم ويدعم الاقتصاد الأمريكي بمئات المليارات من الدولارات. وهذا يشير إلى مدى استعداد النظام الســعودي للخضوع للطلبات الأمريكية في عهد ترامب. ولذلك فإنه بمجرد تلفون آخر سيقوم ابن سلمان ويعلن استعداده للتطبيع مع كـيان يهود عندما يطلب منه ذلك.
وقد رفع ترامب سقفه أمام حكام المسلمين العملاء، ومن ذلك ما نشرته الجزيرة على موقعها، في 26/1/2025: (قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه يضغط على الأردن، ومصر، ودول عربية أخرى، لاستقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين من غزة، بعد أن تسببت الحرب الإسرائيلية على القطاع في أزمة إنسانية..) وعندما سئل عما إذا كان هذا اقتراحاً مؤقتاً أو طويل الأجل، قال ترامب "يمكن أن يكون هذا أو ذاك". من هذا التصريح يبدو أن ترامب يريد تهيئة الأجواء للحكام العملاء، للسير في هذا التهجير القسري، الذي سبق أن رفضه الحكام، وخاصة في مصر، والأردن، وبعبارة أخرى، هي عملية (جس للنبض) إن كان يستطيع هؤلاء الحكام الضغط على الناس، لتنفيذ تصريح ترامب، وتهجيرهم من بلادهم، وتفريغها، وضمها ليهود، أو تأجيل ذلك إلى وقت آخر يراه ترامب مناسباً إن وقف الناس بوجه النظامين فمنعوهما من هذه الخطوة، التي هي خيانة لله ورسوله والمؤمنين. وقد نقلت قناة الحرة الجمعة 31/01/2025، رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني، عبد الله الثاني، أي "تهجير قسري" لسكان غزة عقب الحرب بين حماس وكيان يهود، بعد مقترح الرئيس الأمريكي. وعندما سئل ترامب عن رده على الرفضين المصري والأردني، وما إذا كان يفكر بفرض رسوم جمركية على البلدين لدفعهما إلى ذلك، أجاب "سيفعلون ذلك" وقال "سيفعلون ذلك، نحن نفعل الكثير من أجلهم، وسيفعلون ذلك".
إن الواجب على كل مسلم غيور على دينه أن يقف في وجه مخطط إفراغ قطاع غزة من سكانه وتسليمه للكيان اللقيط
خامسا: تجفيف الدور الإيراني في المنطقة، ذلك الدور القذر، الذي كانت تخدم به أمريكا ومشاريعها الإجرامية، في الشرق الأوسط، مثل احتلال أمريكا للعراق، وتثبيت نظام الأسد في سوريا، ووضع لبنان تحت سلطانها، عن طريق حزب إيران في لبنان، ودعمها للحوثيين، لإيصالهم إلى سدة الحكم لتركيز نفوذ أمريكا في اليمن، وفي كل ذلك أطلقت إيران أيدي أدواتها تنكل بالناس في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن.
والآن تسعى أمريكا لتحجيم إيران، وتجفيف دورها القذر في المنطقة، حيث قامت أمريكا بتلزيم سوريا بتركيا، لتوجد في سوريا نظاما علمانيا ملتحيا، وتلزيم لبنان بالسعودية، بعد إضعاف حزب إيران، وانتشار جيش كيان يهود في جنوب لبنان.
ويسعى ترامب لعقد اتفاق نووي جديد، يحقق مصالح أمريكا وربيبه كيان يهود يستهدف بهذا الاتفاق الصناعة النووية، وبرنامج الصواريخ الإيراني.
سادسا: بالنسبة للسودان، تسعى إدارة ترامب لقطف ثمار الحرب التي أطلقتها إدارة بايدن، هذه الثمار التي تريدها أمريكا أن تسقط في سلة منبر جدة، بعد اكتمال آخر العمليات العسكرية المفتعلة، بإعادة سيطرة الجيش على الخرطوم، وولاية الجزيرة، وسوق بقايا الحركات الدارفورية المسلحة إلى دارفور، لحماية الفاشر، لكسر ظهرها، وضرب آخر نفوذ للإنجليز في السودان، بعد أن تم تلزيم قوى الحرية والتغيير قوات الدعم السريع وجرائمها المروعة، وتجريمهم، ووضعهم على قوائم المطلوبين جنائيا، بمواد عقوبتها الإعدام.
لذلك يأتي تعيين المبعوث الأمريكي الجديد، بيتر لورد، الذي كان مساعداً لمساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية السابقة مولي في، التي أطلقت منبر جدة في 6 أيار/مايو 2023م، وما زالت أمريكا تعتبره المحطة الأخيرة لحرب السودان، من أجل تركيز نفوذها في السودان، ليحكمه العسكر، ومرتزقة السياسة، من تكنوقراط، أو أحزاب، ليسير في اتجاه التطبيع مع الكيان اللقيط، وتنهب ثرواته، ويحال بين الناس وبين تأسيس حياتهم على أساس الإسلام العظيم.
إن الشرق الأوسط ما زال يرزح تحت نير الاستعمار الغربي، تتصارع على النفوذ فيه الدولة الأولى أمريكا من جهة، وبريطانيا وفرنسا من جهة أخرى، أما أمريكا فلا تقبل إلا بالمائدة كلها، وللآخرين ما يسقط من فتات هذه المائدة، ومع وصول ترامب إلى سدة الحكم، تحول الشرق الأوسط، بل وكل العالم إلى مسرح عبثي، يظهر ما كان مخفيا تحت الطاولة، ولا شك أن تلك بشارات التحرر للمسلمين، وللبشرية في أرجاء المعمورة. وإن ذلك لكائن في القريب العاجل بإذن الله، عندما تقوم الخلافة على منهاج النبوة، التي أظل زمانها.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حاتم جعفر المحامي
عضو مجلس حزب التحرير في ولاية السودان