- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الروح الجماعية والإحساس بالمسؤولية
من المسائل المهمة والقضايا الجوهرية في الإسلام، مسألة العمل الجماعي، والروح الجماعية عند المسلمين وفي المجتمع الإسلامي. فقد حرص الإسلام على تشكيل الروح الجماعية لدى المسلمين والإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين، على خلاف الفكر الرأسمالي صاحب النزعة الفردية وعدو الروح الجماعية.
فتأملوا معي حديث رسول الله ﷺ، القائل: « مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعاً» رواه البخاري. فهذا الحديث النبوي أبدع في تجسيد الفكرة من خلال مشهد مصور لا يستطيع من يتصوره إلا أن يسلم بعمق الفكرة وصوابية الحكم. فقد ربط الحديث مصير الفرد بمصير المجتمع الذي يعيش فيه، فهو معهم إما أن ينجوا معا وإما أن يهلكوا معا، على النقيض من الفكر الرأسمالي الذي رسخ الفردانية، حتى شكل قناعة لدى معتنقيه بأن من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه!
لذلك ترى المجتمعات الغربية تحدث فيها الجرائم والفواحش أمام العامة ووسط الحشود دون أن يتدخل أحد لنصرة المظلوم أو منع الظالم، فيقتل القاتل ويغتصب الزاني ويسرق السارق والناس من حوله ينظرون وربما يصورون المشهد للذكرى والاستمتاع، وتجد القاتل أو السارق أو الغاصب لا يحسب حسابا سوى للشرطة ورجال الأمن، فلا يكترث بكثرة الناس أو قلتهم من حوله طالما أنه ليس بينهم رجل أمن أو شرطة. فكم من مشهد صورته عدسات الكاميرات وتناقله الآلاف، يصور مشهد امرأة ضعيفة أو طفل أعزل يقتل أو يعذب بدم بارد دون أن يحرك أحد من الناس من حوله ساكنا، فيمرون عنه وكأن شيئا لم يكن. هذا بسبب النظرة الفردانية والفكر الفردي الذي رسخته الرأسمالية في مجتمعات الغرب، حتى باتت لديهم قناعات بأنه لا يحق لأحد التدخل في شؤونه الخاصة، ولا يحق له هو نفسه أن يتدخل في شؤون غيره.
أما الإسلام الدين الحنيف، فقد حرص على بناء الروح الجماعية والإحساس بالمسؤولية عن الغير، وفرض على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حيثما وجد ذلك، وأن يغير المنكر الذي يراه إن استطاع بيده، لا أن يمر عليه مرور الكرام دون أن يحرك ساكنا. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». فهذا الحديث يرسخ الإحساس بالمسؤولية عن الغير، فقد جعل كل فرد في المجتمع مسؤولا عن غيره، وهذه حالة مميزة في العلاقات في المجتمع.
وأختم بحديث رسول الله ﷺ الذي أوجب على المسلم أن يتحمل مسؤولية أخيه ظالما أو مظلوما، فلم يترك له مجالا للتخلي عنه إن كان مظلوما أو للتبرؤ منه إن كان ظالما، ليحفر الإحساس بالمسؤولية والروح الجماعية حفرا في أذهان المسلمين. فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُوماً، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِماً، كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ».
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس باهر صالح
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير