- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
العمل الحزبي في الإسلام
لقد حرص الإسلام على وضع آليات تنفيذ عملية وناجحة لأحكامه التشريعية، فالإسلام ليس طوباويا ولا فلسفة نظرية غير قابلة للتطبيق، بخلاف غيره من المبادئ والأفكار.
فالاشتراكية مثلا، لامست قلوب المظلومين والمسحوقين في بعض أفكارها ودغدغت مشاعرهم بمثالية ونماذج وردية، ولكنها كانت مستحيلة التطبيق أو التنفيذ، ما دفع المنظرين لفكرها إلى تجاوز الأفكار ومخالفة القناعات لتحقيق تلك الأحلام والغايات، هروبا من الفشل المحتوم.
أما الرأسمالية فقد أراحت نفسها في كثير من المواطن من عناء بيان الطريقة وأساليب التنفيذ بأن رسخت البراغماتية وأن الغاية تبرر الوسيلة، لتطلق العنان لعقولهم لابتداع الوسائل والأساليب لتحقيق الغايات، فوقعوا فيما وقعوا فيه من فقدان البوصلة والقيم والمبادئ.
أما الإسلام فقد جعل لكل فكرة طريقة، وجعل لكل عمل وغاية ضوابط ومقاييس وقواعد، حتى رسم حياة المسلمين بريشة دقيقة أبدعت في تشكيل المجتمع والأسرة والفرد.
ومن أهم ما شرعه الإسلام فيما يتعلق بالعمل للتغيير والنهوض بالمجتمعات، العمل الحزبي.
حيث جعل الإسلام العمل الحزبي طريقا للتغيير والتأثير في المجتمعات والنظم القائمة، وحرص على أن تتكاتف جهود المخلصين والصادقين في كتلة تتمكن من إحداث الصدع وإجبار القائمين على الحكم على الاستجابة لهم.
ولذلك كان العمل الحزبي من أخطر الأعمال على الأنظمة والحكام، ولطالما حاربوا فكرة التكتلات المبدئية والانضمام إليها، ونفّروا الناس منها، بأكثر من طريقة؛ بالتخويف والقمع، وتعريض الناس للاعتقال والملاحقة والتضييق، وبالتنفير منها من خلال تسخير مجموعات وعلماء ألبسوا على الناس دينهم وحرفوا أحكام ربهم، حتى وصلت بهم الجرأة إلى القول بأن لا حزبية في الإسلام، وحرموا العمل الحزبي وجعلوه جريمة، واستحضروا أدلة لا علاقة لها بالحزبية أو العمل الجماعي في هذا السياق ليدلسوا على الناس وينفروهم من العمل الجماعي والانتماء للأحزاب.
وكذلك عملوا على محاربة العمل الحزبي الجاد بالإلهاء والنماذج السيئة، فاصطنعوا للمسلمين جماعات تتلهى بقضايا إما تافهة ولا تمت للتغيير الحقيقي بصلة، وإما فاسدة بغية حرف المنتمين لها عن الحق ومسار التغيير المنشود. واستقطبوا لها أفرادا وشخصيات وصنعوا منها أيقونات وقامات لتصبح محط أنظار العوام وإعجاب البسطاء، لحرفهم عن الأحزاب المبدئية الجادة المصلِحَة.
وكذلك عملوا على إفشال نماذج من الأحزاب والحركات، بعد نفخها وتعظيم شأنها، حتى يوصلوا الأمة إلى اليأس من الجماعات والأحزاب والقناعة بعبثية العمل الحزبي.
وما كل ذلك إلا لأنهم لا يريدون للأمة أن تلتف حول الأحزاب المبدئية وتتمسك بخيار العمل الحزبي الجاد القادر على تغيير الأحوال وقلب الأنظمة.
ويكفينا في هذا المقام لتعزيز القناعة بوجوب العمل الحزبي وأهميته أمران:
الأول: قول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، فهذه الآية الكريمة أوجبت على الأمة أن تنشئ حزبا أو أحزابا تدعو إلى الخير، أي إلى الإسلام، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ودلت على جواز تعدد الأحزاب.
أما الأمر الثاني: فهو سيرة المصطفى ﷺ، فقد كان ﷺ أميرا لتكتل الصحابة رضوان الله عليهم في مكة المكرمة، ومن خلال عمله الجماعي مع أفراد كتلته تمكن من تغيير النظام الجاهلي وإقامة دولة الإسلام، فهو ﷺ لم يكن يعمل بشكل فردي وإنما عمل بتكتل من الصحابة رضوان الله عليهم. وصدق الله القائل: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس باهر صالح
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير